يوم امس أعلن وزير العلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني المهدي بن غربية استقالته من الحكومة، واوضح ان رئيس الحكومة قبل هذه الاستقالة التي شرح اسبابها في تسجيل نشره على الانترنات قال فيه انه سيستمر في دعم الحكومة، موقف عبر عنه باكثر وضوحا في حوار مع «المغرب» تطرق فيه لاسباب استقالته باسهاب وتحدث عن رؤيته للعمل الحكومي ومستقبله السياسي القادم.
• ما الذي دفعك إلى تقديم استقالتك؟
أنا قمت بممارسة السياسة منذ سن 12، دخلت السجون وحرمت من حقوقي المدنية وقمت بالمراجعات، وعايشت الثورة والانتقال الديمقراطي وانخرطت في العمل الحكومي في إطار حكومة وحدة وطنية حظيت بأوسع توافق ممكن من اجل تحقيق الاصلاحات الكبرى الضرورية، لمعالجة الوضع الاجتماعي الصعب الذي تعيشه تونس وهو ثمن الثورة وما عشناه من أحداث إرهابية مدانة، كما لا يجب ان نغفل اننا لم نقم بإصلاحات منذ 20 سنة. واذكر اني نشرت في صحيفتكم مقالا في الـ14 ماي الفارط تحدثت فيه عن الأولويات وقلت انه عوضا عن الانشغال بالملفات الحيوية والأولية انشغلنا للاسف منذ اشهر بموضوع رئيس الحكومة وهل تبقى الحكومة ام تذهب، وهذا اعتبره عبثا وعدم مسؤولية وعوضا عن الاهتمام بالملفات الهامة وهي الإصلاحات الكبرى. للاسف لم تكن الوضعية الصعبة التي نعيشها مقترنة بوجود وعي واحساس بالمسؤولية من قبل البعض.
• انت استقلت لكن تدافع عن الحكومة؟
انا سادافع عن سياسة الحكومة والإصلاحات الضرورية واستقالتي هي بهدف التخلص من واجب التحفظ واستعادة حرية التعبير عن رأيي، كي لا يقال اني ادافع عن موقع بل أدافع عن قناعة مفادها حتمية الاصلاح.المهم من وجهة نظري ليس ان يكون الشخص وزيرا ليدافع عن المصلحة وما يراه ضروريا للبلاد.
• قد ينظر الى استقالتك على انها استباق للاقالة؟
انا خضت كل معارك الحكومة ودافعت عن تصورها في ملف الإصلاحات والمسألة الاجتماعية، وهي قناعاتي كانت ولا تزال، واذكر البعض أني منذ دخلت الحكومة والحديث عن إقالتي انطلق، وشخصيا لا اخشي الإقالة أولا لاني اعلم ان رئيس الحكومة والحكومة منشغلان بوضع البلاد والخروج من الأزمة وليس بالصراعات السياسية او الحزبية الضيقة، والمهم ليس ان يكون الشخص وزيرا في الحكومة بل ان يدافع عن افكار يعتبرها افضل للبلاد وان يترجم هذه الافكار في تجربة الحكم، لهذا قررت الاستقالة لدعم الحكومة والقول ان الواقع السياسي بات رديئا وأحيانا اقرب للعبث.
• يفهم من كلامك انك ستظل في حزام الحكومة وحاملا لمشروعها؟
الاستقرار السياسي والحكومي ضروري للبلاد وعكس هذا هو العبث خاصة وان الخلاف ليس على نقاط أساسية بل على تفاصيل هامشية انا سأدعم الإصلاحات وسياسة الحكومة واليوم لابد من العمل على ايجاد حزام سياسي لدعم الإصلاحات وليس الحكومة.
الواقع العدمي الذي نعيشه يجب ان ينتهى اليوم لا بد من حوار عقلاني لان غيابه هو الهروب الى الأمام قد تتفاقم القطيعة بين التونسيين والسياسيين ويمس من الايمان بجدوى الديمقراطية كما انه سيؤدي الى وضع اقتصادي كارثي على كل الأصعدة.
• تقول ان الحكومة برنامجها هو الإصلاح فمن يتحمل مسؤولية التأخير في الإصلاح؟
الحكومة تحدثت عن برنامجها الاصلاحي من 14 جانفي 2017 والاصلاحات دائما صعبة لانها تستوجب التضحيات، ونحن حاولنا وضع بيداغوجية للعمل، والتوافق مع المنظمات الاجتماعية ودعم الأحزاب.
• هل دعمتكم الأحزاب؟
لم يكن هناك دعم بشكل كاف من الأحزاب، وفي تونس هناك وقائع سريالية منها ان الحزب الحاكم والفائز في انتخابات 2014 ومشارك في الحكومات كانت قيادته اكبر معارضي الحكومة وتهدد بتغييرها، وهذا مشهد سريالي للأسف يصل لدرجة القرف أحيانا.
• أنت تشير إلى حافظ قائد السبسي ومجموعته؟
اليوم لا تقاليد ديمقراطية كبرى لنا ولكن هناك أعراف للعمل السياسي، منها انه لا يقبل ان يفوز حزب في الانتخابات ويشكل حكومة أولى وثانية وله في الحكومة الحالية 10 وزراء ويتصرف بهذا الشكل. هذا اقرب للعته منه للعمل السياسي، وهذا يؤثر على صورة البلاد في الداخل والخارج، اذ ان الصورة تقدم على ان زعيم الحزب الأول فيها يتصرف بافعال اقرب للعته. هذه فضيحة.
• مآل الحل الذي قد يخرج البلاد من الأزمة الراهنة وتطبيق الإصلاحات؟
الإصلاحات ليس مرتبطة بهذه الحكومة، وان كانت هي من تحلت بالجرأة للبدء فيها، ان الإصلاحات ضرورية لتونس التي تعيش وضعا شهدت مثله دول اخرى وغادرته بالإصلاحات.
الواقع الراهن لتونس سواء في الصناديق الاجتماعية او المؤسسات العمومية او المالية العمومية وتحديد دور الدولة، هو وضع صعب يصل الى مرحلة الكارثة. ويجب ان نجد حلولا يقع الاتفاق عليها مع الجميع وان نجلس إلى طاولة الحوار مع الأعراف واتحاد الشغل للوصول إلى حلول من اجل تحسين حياة التونسيين وخلق الثروة عوضا عن الذهاب إلى التداين لسداد الأجور.
هذا غير قابل للاستمرار ويجب ان نجلس لنتحاور دون خطوط حمر او شروط مسبقة بل ان نبحث عن حلول ناجعة وإجراءات مصاحبة سواء في العدالة الجبائية ومقاومة التهريب وغيرها. هذا ما يجب ان نصل اليه وان تقبل به النقابات التي من حقها ان تدافع عن منخرطيها.
اليوم المشهد منخرم اذ لا توجد أحزاب سياسية تدافع عن حكومتها ولكن للأسف الحزب الفائز في انتخابات 2014 لم يقم بذلك، بل بات في فترة ما من اشد معارضيها. اليوم نحن نحتاج إلى حزب وطني قوي حزب كبير يمثل الحركة الوطنية يمثل العائلة الديمقراطية يمكنه إحداث التوازن السياسي للبلاد ودعم الإصلاحات، إذ لا توجد دول و حكومات قوية دون أحزاب قوية لهذا لابد من العمل على ان تكون لنا أحزاب قوية وليس حزبا فقط.
• تقول ان الحكومة تحتاج إلى حزب قوي داعم، وهذا غير متوفر حاليا فكيف سيعالج الأمر والحزب الاول هو نداء تونس معارضكم؟
إن الطبيعة لا تقبل الفراغ، واذ مثل نداء تونس في فترة قوة توازن وكان الحزب الأول في البلاد ولكنه اليوم بات غير قادر على الحفاظ على ماحققه فان كل شيء وارد. فإما ان يستعيد مكانه وقدرته على لعب دوره وإلاّ فان مكانه سيؤول لحزب اخر. هذه طبيعة التاريخ.
• ما هي خططك لمستقبلك السياسي؟
اول اريد ان اشير الى أنني في السنوات السبع الفارطة دافعت عن مواقف وأراء كانت غير مقبولة من شريحة واسعة، اذكر منها إني كنت من طالب بالتوافق قبل أن يصبح واقعا بين النهضة والنداء، و في 2014 دافعت عن الإصلاحات الكبرى لأنها ضرورية لكن الكل تغاضى عنها، مثلما تكرر مع مبادرة المساواة في الميراث حيث عارضها من كان يفترض ان يدعمها واثر سنة ونصف باتت مبادرة رئاسية وستصبح امرا واقعا. اما عن مستقبلي فأنا ساستمر في العمل السياسي وسأدعم الحكومة لانني اؤمن ان الفعل السياسي ليس من اجل مشاريع ورغبات شخصية بل من اجل مشاريع وطنية تهم الجميع وتخدمهم.
• تشير الى انك دافعت عن التوافق قبل 2014 وهذا يعنى انك ستدافع عنه لاحقا؟
إن التوافق ليس اختيارا وانما ضرورة في المرحلة الانتقالية كما انه فرض بنتائج الانتخابات السابقة، ومن يقول ان التوافق انتهى عليه ان يقدم البديل عنه في ظل عجز عن تسيير البلاد من دونه في الوضع الراهن. كما ان هذا العجز قد يستمر ان كانت نتائج انتخابات 2019 مماثلة للاستحقاقات السابقة.
لكن انا اعتبر ان التوافق يجب ان يكون توافقا حقيقيا وليس مغشوشا، فالتوافق الحقيقي لا يلغي الاختلافات في المشاريع المجتمعية، التي اظن ان الدستور حسم جزءا هاما منها وما تبقى هو تكريس المشروع المجتمعي الحداثي بقوانين وخيارات تكرس الحريات والمساواة ومبادئ المواطنة. وهذا ممكن في ظل توافق حقيقي وليس توافقا يقتصر فقط على ارضاء النزوات السياسية السريالية المناقضة للعقل، فما يحدث اليوم هو اننا امام توافق قائم على الاصطفاف وإرضاء الرغبات. ولا يهم فيه هل يوجد توافق على إصلاحات او الانعاش الاقتصادي وغيرها.
اليوم لابد ان يدرك الجميع ضرورة ان نصل الى سنة 2019 بمشاريع حكم واضحة وجاهزة على ضوئها يصاغ التوافق.