الجميع منشغل بتطورات الأزمة من قبل أن يطل يوسف الشاهد ويعلن حربه المفتوحة على حافظ قائد السبسي. مراقبة مشوبة بالخوف من التطورات «غير السارة» التي قد تحملها الرياح، وعجز عن التأثير.
في التصريحات الرسمية يشدد قادة حركة النهضة دائما على أنهم يتخذون مسافة أمان من الأزمة الداخلية صلب نداء تونس وأنهم لا يجدون وجه حق في إبداء رأي او موقف من هذه الأزمة، فقط يعربون عن أملهم بانتهائها دون ان تنهي الحزب معها.
تجنب الإفصاح عما يدور حقيقة في أذهان الفاعلين في الحركة تكشفه الأحاديث الجانبية والكواليس، فالنهضة تخشى ان هي أقحمت نفسها في أزمة النداء بأي شكل مباشر او غير مباشر قد ينتهي الأمر لغير صالحها كليا، وهنا يحدد النهضاويون ما هو صالحهم. ان يستمر الحزب بعد ازمته قوة سياسية ذات وزن وثقل، اي ان يكون القوة الاولى او الثانية في الانتخابات التشريعية القادمة.
فالنهضة تخشى اكثر من غيرها من ان تكون هي بمفردها القوة السياسية الوحيدة في البلاد، لذلك فهي تراقب عن كثب تطورات ازمة النداء، ممنية النفس بان ينتصر «الجواد الرابح»، وهنا تجد الحركة ان هذا الجواد ليس من هو الاقرب اليها بل من هو القادر على الحفاظ على نداء تونس، فالنهضة تدرك اكثر من غيرها ان بقاء النداء وان بمراجعة جزئية للتقارب منها افضل من غيابه كليا.
هنا تحدد النهضة ما تعنيه بـ«النداء»، فالامر لا يتعلق بالاسم بل بالمضمون السياسي وبتمثيلية شريحة من الناخبين، فالحركة تعتبر اليوم انه من الضروري ان يكون لها منافس قوي يمثل العائلة الديمقراطية التقدمية، وهي التسمية التي تطلقها على الدستوريين والتجمعيين، هؤلاء تعتبرهم الاقدر على ان يكونوا المنافس والشريك.
لذلك فهي تعتبر انه من الافضل ان تحسم الامور صلب نداء تونس سريعا، سواء بانتصار نجل الرئيس او خصمه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، مع إعلانها ان المستقبل السياسي للنداء ليس مع قائد السبسي الابن خاصة في ظل الاشارات المتكررة لعدم تجديد الرئيس الباجي قائد السبسي لمدة رئاسية ثانية.
إدراك النهضة ان انتصار النجل في حربه يعني انها فقدت «منافسها» في 2019 وهذا ما تخشاه بشكل جلي، فالقناعة الراسخة اليوم لدى قادة النهضة مفادها ان الخطر الحقيقي الذي يهددها، منبعه انتصارها في الاستحقاقات القادمة. فهي تدرك ان استمرار الوضع في نداء تونس على هذا الحال او انتصار نجل الرئيس قد يؤثر سلبا على نتائج الحزب في الانتخابات، ومعه قد يصبح الفارق في الحجم والنسب كبيرا بينهما وهذا يفتح الباب على عودة اجواء 2011 وهذا ما تخشاه الحركة.
النهضة وان كانت تعتبر ان بقاء الازمة او اتنصار شق لا مستقبل سياسي له يمثلان الخبر السيء فانها ايضا تعتبر ان انتصار شق الشاهد ليس كافيا، بل يجب ان يكون هذا مقترنا بعناصر اخرى، اولها الوقت، اي ان يحسم الامر سريعا ليقع التفرغ لاستعادة الثقل الانتخابي، الثاني ان يكون الشاهد قادرا على ادارة الملف وتجميع العقد الذي انفرط.
قراءة النهضة للمشهد، تقوم على عدة اعتبارات اولها الحاجة، ليس لنداء تونس، بل لحالة سياسية مقابلة لها وقادرة على ان تحقق نتائج ايجابية في انتخابات 2019، وان تكون هذه الحالة أيّا كان اسمها قادرة على ان تكون رقما فاعلا في وقت وجيز اذ ان الاخير، اي الوقت، عنصر قاتل بالنسبة للنهضة او اي طرف سياسي اخر قد يطمح لملإ الفراغ الذي سيخلفه غياب نداء تونس ان تم او اي ضعف يصيب الطرف المنتصر في الازمة الداخلية للحزب.
النهضة تجلس اليوم على الربوة لتراقب ما يحدث وسيحدث في نداء تونس، وهي عاجزة عن التدخل لتحقيق مقاصدها، في خطوة قد تاتيها سيكون ثمنها باهظا وسيدفعه الطرف الذي قد تدعمه، لهذا فانها خيرت ان تلعب دور المشاهد وان تنتظر كما البقية ما قد تحمله الرياح.