إلا أن الأزمة صلب مجلس الهيئة تزداد تعقيدا في ظل تواصل الخلافات بين الأعضاء وتجدد الصراعات نحو كرسي الرئاسة. السيناريوهات والاحتمالات حول مرحلة ما بعد الاستقالة تتعدد وتتنوع وقد تعمق الأزمة عوضا عن حلها.
لم ينتظر رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري الجلسة العامة التي كان من المفروض أن تحدد مصيره سواء بالبقاء على رأس هيئة الانتخابات أو إعفائه منها، فقد قرر المنصري تقديم استقالته إراديا يوم أمس وذلك قبل انعقاد مجلس الهيئة.وبالرغم من إصرار المنصري على مواجهة نواب الشعب وعدم الاستقالة، إلا أنه لم يتحمل الضغوطات الموجهة ضده.
قبل انطلاق اجتماع مجلس الهيئة، أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري عن استقالته من رئاسة الهيئة مع المحافظة على العضوية، داعيا مجلس نواب الشعب إلى البدء في إجراءات سد شغور خطة رئيس الهيئة. وأكد المنصري أنه استقال بسبب تعطل أعمال مجلس الهيئة العاجزة عن انجاز أعمالها منذ تطبيق الفصل 15 من القانون الأساسي المحدث للهيئة المتعلق بالإعفاء، الأمر الذي تسبب في عدم انعقاد الجلسات بالرغم من حجم العمل الكبير الذي يتطلب المصادقة من المجلس خاصة وأن الهيئة لها عدة أعمال في انتظارها منها الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 ومخطط عمليات وإعداد الميزانية وتقرير النشاط وتقرير الانتخابات البلدية وغيرها.
في أسباب الاستقالة
قرار الاستقالة لم يكن مفاجئا للجميع، فقد أبدى المنصري نيته في الاستقالة حتى قبل تأجيل الجلسة العامة بمجلس نواب الشعب يوم الثلاثاء الفارط، لكن يبدو أن المهلة الفاصلة قبل عقدها يوم 12 جويلية القادم قد ساهمت في إعادة ترتيب الأوراق بالنسبة للرئيس المستقيل خصوصا وأنه تقابل أول أمس مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي من أجل البحث عن مخرج توافقي يرضي كافة الأطراف وتجنب مزيد من التعطيل في عمل هيئة الانتخابات. وقال المنصري أن من بين الأسباب عدم وجود بوادر حلول في الأفق خاصة بعد تأجيل جلسة طلب الإعفاء من طرف البرلمان، مشيرا إلى أن مصلحة البلاد والإعداد للمحطات الانتخابية القادمة يتطلب ضرورة مزيدا من التضحية والتنازل والتحلي بالمسؤولية ونكران الذات وأن لا يكون عنصر تعطيل أو توتر أو إرباك. وأشار المنصري إلى أنه قرر الاستقالة من رئاسة الهيئة بعد التشاور مع زملائه وتم الاتفاق على تقديم مرشح أو مرشحين على أقصى تقدير لتسهيل مأمورية البرلمان في اختيار رئيس للهيئة.
أزمة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات انطلقت حيثياتها منذ تقديم الرئيس السابق شفيق صرصار استقالته من الهيئة بأكملها رفقة عضوين آخرين، فلم تحظ الهيئة منذ ذلك الحين بهدوء او استقرار على مستوى الأعمال، وهو ما جعل مجلس نواب الشعب يعجز في أكثر من مناسبة عن سد الشغور لهذه المناصب واختيار رئيس جديد لها. تواصلت الأزمة حتى بعد انتخاب المنصري، نتيجة الخلافات بين أعضاء الهيئة الذين يسعون بدورهم للحصول على كرسي الرئاسة، ويعتبرون أن المنصري لا يتمتع بالكفاءة اللازمة.
مصير في المجهول
لكن في المقابل، فإن مصير الهيئة اليوم يبقى مجهولا ومفتوحا على كافة الاحتمالات، الخطوة الأولى تتمثل أساسا في تسريع اجراءات فتح باب الترشحات لمنصب رئيس الهيئة من قبل البرلمان وتعتبر بذلك جلسة الإعفاء لاغية باعتبار الاستقالة، ويحدد المجلس جلسة انتخابية جديدة لانتخاب رئيس، ثم إجراء عملية التجديد باعتبار أن القرعة اسفرت عن خروج ثلاثة أعضاء. لكن السؤال المطروح اليوم هل أن الأعضاء الثلاثة الذين خرجوا عن طريق القرعة ونعني بذلك كلا من أنور بن حسن ورياض بوحوش ونجلاء براهم سيكون لهم الحق في الترشح وفي حالة انتخاب أحدهم سيحافظون على عضوية الهيئة، وبذلك تدخل الهيئة من جديد في دوامة الصراعات وإعادة القرعة من جديد والدخول في التأويلات القانونية، في وقت تستعد فيه هيئة الانتخابات إلى الاستعداد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية السنة القادمة.
السيناريوهات والاحتمالات
من جانب أخرى، تبقى التساؤلات المطروحة حول مدى تفاعل السلطة التشريعية مع التقرير الصادر عن أعضاء الهيئة الثمانية حول أسباب إعفاء المنصري مع العلم أن بعض الأخطاء الواردة في هذا التقرير ترتقي إلى مرتبة تستوجب العقاب والمحاسبة. وفي الإطار، فإن التقرير الذي رد فيه المنصري على قرار الإعفاء من قبل زملائهم يؤكد عدم صحة تلك الادعاءات مما يدعو إلى التشكيك في نوايا بقية الأعضاء. هذا التشكيك يأتي خصوصا بعد الانتقادات الموسعة ضد رئيس الهيئة من قبل العضو أنور بن حسن وهو من أحد الأعضاء المعنيين بالخروج، عقب الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات البلدية حينها. أنور بن حسن ونبيل بفون من بين الأعضاء الأقرب للترشح لمنصب رئيس الهيئة، حيث يبحث بن حسن عن طريقة من أجل البقاء في عضوية الهيئة باعتبار أن الرئيس غير معني بالقرعة أو التجديد، وهو ما يؤكد بعض الانتقادات من أن نفس الأعضاء الذين طالتهم الاتهامات بتسببهم في استقالة شفيق صرصار هم نفس الأعضاء الذين افتعلوا الأزمة ضد المنصري.
كل هذه الاحتمالات التي جعلت البرلمان في حيرة من أمره، قد تحل من خلال هذه الاستقالة، إلا أن الأزمة على ما يبدو لن تحل بهذه الطريقة، فكتلة حركة النهضة تسعى إلى تنقيح القانون المحدث لهيئة الانتخابات في أقرب الآجال على مستوى التركيبة من أجل تفادي مثل هذه المشاكل والعراقيل مستقبلا.
في ما بعد الاستقالة
تسيير الهيئة كان من المفروض أن يؤول إلى نائب الرئيس وهو عادل البرينصي لكن بما أن الرئيس لم يمض على قرار تعيينه، فقد تم الاتفاق بين أعضاء مجلس الهيئة على أن يواصل المنصري مهامه رئيسا للهيئة الى حين سد الشغور في هذا المنصب من قبل البرلمان، وعلى ترشيح عضو أو عضوين على أقصى تقدير من بين أعضاء مجلس الهيئة لهذا المنصب وذلك تفاديا لتعطيل أعمال هيئة الانتخابات. لكن الخلاف يبدو أنه متواصل وهو ما اتضح من خلال اجتماع مجلس الهيئة أمس بعد إعلان الاستقالة، حيث دفع أغلب الأعضاء بترشيح نبيل بفون كمرشح لمنصب رئيس الهيئة، ثم طلب من مجلس نواب الشعب عدم تجديد ثلاثة أعضاء بتعلة أنه بحاجة إلى كفاءتهم على أن يخرجوا بعد سنة 2019، وبحجة أن الوقت ضيق لا يسمح بانتخاب أعضاء جدد.
دخول أعضاء هيئة الانتخابات في جدل جديد بعد استقالة المنصري الذي فتح مطامع بعض الأعضاء من أجل نيل كرسي الرئاسة، مقابل خلاف ثاني يتمحور حول أن استقالة المنصري تعتبر استقالة من الهيئة بأكملها ولا يمكنه بذلك مواصلة تسيير الهيئة. اجتماع مجلس الهيئة لم يتمكن من الحسم في كل هذه الخلافات، حيث اكتفى بمعاينة الشغور وتدوين محضر في الغرض، لتبقى كافة السيناريوهات متاحة إلى حين الاجتماع المقبل الذي سيحدد المترشحين لكرسي الرئاسة.