وهي عدد صفحات تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة المقدم لرئيس الجمهورية نهاية الأسبوع الفارط، الذي يعيد إحياء الحلم بعد ان كاد المجال يضيق به بتتالي الخيبات والأزمات، وانتصار الحرية على نظرية «موش وقتو».
منذ 13 من أوت 2017 انطلق مسار إقرار الحريات والحقوق الفردية والمساواة وتنزيلها في نص قانوني، وهو لايزال مستمرا الى ما بعد المصادقة على مشروع المجلة الذي اقترحته لجنة الحريات الفردية والمساواة التي كونت في 13 من أوت الفارط. ونهاية الأسبوع الفارط قدمت اللجنة تقريرها الى رئاسة الجمهورية قبل ان تفرج عن مضمون هذا التقرير أمس، (انظر مقال كريمة الماجري).
في انتظار ان تنقل مشاريع القوانين المقترحة في التقرير الى مجلس النواب لمناقشتها قبل عرضها للمصادقة، وجب الوقوف على الكثير من نقاط الضوء سواء في مشاريع القوانين او في منطلقات من صاغوها وعبروا عنها في مقدمة التقرير وفي شرح اسباب صياغة مشاريع القوانين.
اذ منذ الصفحات الاولى تعلن الجهة المقترحة، وهي اللجنة، انها تهدف بعملها الى استكمال مسيرة الإصلاحات الاجتماعية وانها هذه المرة ستنكب على نقطتين طالما أغفلهما المشرع لاسباب عدة، وهما الحريات الفردية التي اختزلت في مفهوم ضيق ونقطة المساواة بين الجنسين، وقد حرصت اللجنة في تقريرها على تجنب الصدام مع المسألة الدينية.
تجنب صدام لم يحل دون ان تكون مقترحات اللجنة بمثابة خطوة عملاقة نحو تونس تتسع لكل أبنائها وتحمي حقوقهم الفردية وحرمتهم ولا تميز بينهم على اي اساس، وهذا ما عبرت عنه اللجنة في مقترح مجلة للحقوق والحريات الفردية وفي توصياتها بتنقيح فصول قانونية على ضوء المجلة.
من الصفحة 99 الى الصفحة 135 جسد أعضاء اللجنة فلسفتهم وتصورهم للحريات والحقوق الفردية، في 93 فصلا متكاملين يكسرون الحقوق الفردية، مع عدم إغفال مسألة الحريات في الفن والمجال الأكاديمي، او هوية من ينتهك الحقوق سواء الدولة باجهزتها وموظفيها او افراد وجماعات من خارجها، وكسر حلقة الإفلات من العقاب لمن ينتهكون هذه الحريات.
هذه المقاربة التي تقوم على مبدإ حماية الحق وصونه دون التضييق المفرط عليه تجسدت في اكثر من نقطة وابرزها مسألة حرية المعتقد والضمير ومسألة الحريات الجنسية ونقطة الإعدام والحريات الفنية والاكاديمية، فاللجنة تحلت بجرأة غير مسبوقة لتقترح بشكل صريح الغاء الفصل 230من المجلة الجزائية الذي يجرم المثلية.
اقتراح راعت فيه اللجنة امكانية الاعتراض من قبل المشرعين فقدمت مقترحا ثانيا يتمثل في الغاء العقوبات السالبة للحرية والاقتصار على خطايا مالية قيمتها 500 دينار لمن يجاهر بفعل، وهنا لم تجرم المجلة الفعل وانما جرمت الكشف عن العورة او القيام بأية أعمال جنسية في فضاء عام وإجبار الآخرين على مشاهدتها.
هذه الخطوة العملاقة نحو تحرير جسد الفرد من سلطة الدولة ومن تغولها عليه وتقييده تستمر في كل ما يتعلق بحرية المعتقد والضمير، لتضع المجلة حدا للتمييز بين التونسيين بسبب الدين وتطالب بالغائه هذا بشكل صريح بل وتضمنت حماية لكل فرد في ان يمارس معتقده في العلن بشكل فردي او جماعي، وحمت هذا الحق بان حصنته ضد اية تحقير او استهداف يهدده من قبل الدولة والافراد على حد سواء.
تفاصيل قد يغفل البعض عن اهميتها، التي تكمن في ان المجلة تشرع لمرحلة يكون فيها التونسيون مواطنين كاملي الحقوق والحريات بعد ان كانوا ولعقود ممنوعوين عنها باسم القانون والدين ونظرية «موش متاعنا»، هذا التمكين يحرر الفرد والمجتمع ويؤسس لتقبل الاخر على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات.