بعد احتدام الأزمة السياسية بين أجنحة النداء: اتحاد الشغل في خانة الانتظار لمآلات الصراع

شهدت الساحة السياسية خلال هذا الأسبوع العديد من التطورات،

البداية كانت بقرار تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2 من قبل رئيس الجمهورية بسبب الاختلاف في المواقف حول تغيير يوسف الشاهد، ثمّ اجتماع الهيئة السياسية لنداء تونس والتي أكدت أن حكومة الشاهد عنوان أزمة فقرار مكتب مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إعفاء رئيسها الحالي محمد التليلي المنصري من منصبه باعتماد الفصل 15 من القانون المحدث للهيئة المتعلق بحالات الإعفاء، وصولا إلى خطاب رئيس الحكومة على القناة الوطنية الأولى الذي أكد فيه عدم تمسكه بمنصبه وعزمه القيام بالتعديلات الضرورية من اجل مزيد النجاعة في العمل الحكومي، وحمّل المسيرين الحاليين لحزب نداء تونس وعلى رأسهم حافظ قائد السبسي مسؤولية « تدمير حزب نداء تونس» معتبرا أن أزمة هذا الحزب لم تعد شأنا داخليا بل تسربت إلى مؤسسات الدولة.

أثار خطاب الشاهد العديد من الانتقادات وردود أفعال غاضبة خاصة من قبل حركة نداء تونس التي سارعت بعقد هيئتها السياسية ليلة أمس والاتحاد العام التونسي للشغل الذي جاء رده مباشرة بعد الخطاب، ردّ جاء في شكل تصريح من أمينه العام نور الدين الطبوبي ونشر على الصفحة الرسمية للاتحاد، ردّ دعا فيه الطبوبي ضمنيا رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى تقديم استقالته وتقديم الاعتذار للشعب التونسي وسط التأكيد على جاهزية الاتحاد لجميع السيناريوهات.

في انتظار ردّ فعل رئيس الجمهورية
أمام هذه التطورات والتي تشير إلى أن الأزمة باتت أزمة سياسية بامتياز ولم تعد أزمة خلافات في المواقف حول النقطة 64 من وثيقة قرطاج 2 ذات العلاقة ببقاء الشاهد من عدمه، أزمة تعدت مرحلة الدعوة إلى ضخ دماء جديدة في مفاصل الدولة وفشل الحكومة إلى صراع الأجنحة صلب الحزب الحاكم وحرب كلامية بين يوسف الشاهد وحافظ قائد السبسي، أزمة جعلت الأمور والأوضاع تتدحرج إلى أسوأ السيناريوهات ورمي الكرة إلى رئيس الجمهورية، أزمة جعلت اتحاد الشغل يخير الوقوف في خانة الانتظار وتأمل ما ستؤول إليه الأمور ، وفق بعض القيادات النقابية التي اعتبرت أن الأزمة قد دخلت منعرجا سياسيا والحسم لن يكون إلا بيد رئيس الجمهورية، فاتحاد الشغل بالرغم من تمسكه الشديد بتغيير يوسف الشاهد وأول الداعين لذلك إلا أنه لا يريد أن يحشر نفسه في الصراعات الداخلية في النداء، فدعوته الى التحوير الوزاري كانت في إطار وثيقة قرطاج 2 ولكن بعد تعليق النقاش فيها، فهو في حلّ من أي شيء، حتى أن الهيئة الإدارية الوطنية التي كان قد أعلن الطبوبي عن تنظيمها في الأيام القادمة للنظر في مسألة تعليق العمل بالوثيقة قد تمّ صرف النظر عنها، في هذه الفترة بالذات، ويرجح أن تعقد وفق مصادرنا في صورة تمّ التوصل إلى حلّ أو طرأ أمر جديد.

عدم التصعيد
قرر اتحاد الشغل بالرغم من أن أغلب أعضاء مكتبه التنفيذي في جنيف عدم التصعيد في التصريحات إلى حين معرفة ما ستؤول إليه الأوضاع وانقشاع سحابة الصراعات، فهو يريد أن يكون على مسافة من الصراعات السياسية، حيث جاء في ردّ الطبوبي «تبين بعد كلمة رئيس الحكومة أن الأزمة سياسية بامتياز ولا علاقة لها بالاستحقاقات الوطنية والاجتماعية التي تنتظرها فئات واسعة من الشعب التونسي وأنها مرتبطة بتقسيم المواقع والنفوذ والمحطات السياسية القادمة. وأضاف الأمين العام « إننا ننأى بأنفسنا عن سياسة المخاتلة والكر والفر ونعتبر في المقابل أن وضع البلاد يتطلب الصراحة المسؤولة بعيدا عن المحاباة والمجاملة وذكر بأن وثيقة قرطاج الأولى هي أرضية التقييم الموضوعي مبينا أن الحكومة قد فشلت بكل المعطيات والمؤشرات في تحقيق الحد الأدنى من تلك المضامين.

وضرب مثالا لذلك بالدول الديمقراطية التي تستقيل فيها الحكومات في مثل هذه الحالة مع تقديم الاعتذار للشعب. وأوضح الأمين العام أن الإتحاد لا يحتكم إلى ردود أفعال مزاجية في التعاطي مع أداء الحكومة بل إلى تقييمات معمقة تعدها مؤسساته وخبراؤه. وذكّر الأمين العام بالعودة المدرسية المهزلة لهذه السنة وبقاء آلاف من التلاميذ دون معلمين وأساتذة مدة أسابيع وأشهر وهي مهزلة لم تشهدها تونس حتى إبان الاستقلال وكذلك بحالة البؤس والفقر التي تعيشها مؤسسات الصحة العمومية التي باتت عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من الخدمات وأكد في هذا السياق أن الإتحاد لن يحيد عن ثوابته وقناعاته في الدفاع عن المرفق العمومي.

الدفاع عن استقلالية القرار الوطني
هذا واستغرب الأمين العام من الذين يتحدثون اليوم عن هيبة الدولة في بلاد يرتع فيها السفير الفرنسي ويحشر نفسه في أدق المسائل الداخلية دون رادع من أي كان، مبرزا أن الإتحاد سيبقى قلعة الدفاع عن استقلالية القرار الوطني. وفي سياق الرد على بعض السياسيين الذين يزايدون اليوم بالاستقرار السياسي، أفاد الأمين العام أن الإتحاد عمل على توفير كل مناخات الاستقرار من دعم الحكومة والاحتكام إلى التشاور والحوار في حل الملفات الشائكة والعالقة. وأكد أن الاستقرار إطار إيجابي للعمل وهو ضروري للعمل لكنه غير كاف لوحده مشبها ذلك بمن يمتلك مالا ولا يحسن توظيفه وأضاف أن الحكومة قد توفر لها الاستقرار بما يكفي لكنها بقيت عاجزة لغياب الكفاءات الحقيقية القادرة على تقديم الحلول والبدائل والخروج بالبلاد من الأزمة.

جاهز لجميع السيناريوهات
وختم الأمين العام بأن الإتحاد في حِلّ من كل ارتباط وهو جاهز منذ فترة لجميع السيناريوهات بفضل معرفته الدقيقة بطبيعة الساحة السياسية التونسية مبرزا أن العودة إلى الوراء لن تقع إلا في خيال أصحابها وأن أبناء تونس الوطنيين والأحرار المخلصين سيواصلون طريق البناء وتحقيق أهداف الثورة بكل عزم وثبات.
الأحداث السياسية مرشحة للتطور أكثر في الساعات والأيام القادمة في انتظار قرارات الهيئة السياسية للنداء وردّ فعل رئيس الجمهورية الذي عاد أمس من فرنسا بعد مشاركته في الندوة الدولية حول ليبيا، فكل طرف أي حافظ قائد السبسي ويوسف الشاهد سيحاول لعب كل أوراقه من أجل الوصول إلى الهدف وكسر شوكة الآخر في حين ستقف بقية الأطراف الفاعلة من أحزاب ومنظمات من الموقعين على وثيقة قرطاج في خانة المنتظرين، فاللعبة عند رئيس الجمهورية، فماذا سيفعل إزاء كل هذه الأحداث التي تسارعت بنسق غير متوقع؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115