للنظر في ملف حكومة الشاهد وفرضيات بقاء الأخير كرئيس للحكومة في ظل انقسام المتفاوضين الى فريقين سترجح كفة احدهما ان التحق بها الرئيس، الأول وهم خمسة يميلون لبقاء الشاهد والثاني يضم من تبقى ويتمسكون برحيله، خاصة نداء تونس الممثل بنجل الرئيس في اللقاء حافظ قائد السبسي الذي بات يتصدر صفوف المطالبين بالرحيل.
منذ بداية الأزمة ومطالبة اتحاد الشغل بتغيير رئيس الحكومة، اختار رئيس الجمهورية ان يجعل موقفه يفهم تلميحا، فهو كلما التقى بالجمع القى فيهم كلمته، التي كانت تتضمن انحيازا لرئيس الحكومة وتمسكا ببقائه، سواء بالتشديد على أهمية الاستقرار او على ان الأولوية هي لضبط برنامج وليس لتغيير حكومة.
تلميحات عدة جعلت من الموقف الرسمي يؤجل إلى حين البت في كل النقاط الخلافية، وطوال شهرين تقريبا كان هذا هو الحال، إلى غاية اليوم، موعد اللقاء بين الرئيس والقائمين على الأحزاب والمنظمات الوطنية، اذ يبدو جليا ان الرئيس قد يلجأ إلى توضيح موقفه اكثر، سواء بالتصريح الواضح او التلميح الصريح.
فما ياتي من معطيات من قصر قرطاج، كتخمينات من محيط الرئيس او معطيات نقلت الى الاحزاب والمنظمات، تفيد بان الرئيس «غير متحمس» لرحيل الشاهد، ويعتبره في غير محله، حتى وان كان شديد الحرص على بقاء الاتحاد صلب اتفاق قرطاج وان لا ينسحب نتيجة عدم تغيير الشاهد.
الرئيس قد يجد في ترك الاتحاد لموقع المهاجم لصالح نداء تونس، واساسا نجل الرئيس نفسه، هامشا للمناورة، فما قد يفهم من الامر ان الاتحاد لا يعتبر رحيل الشاهد مسالة حياة او موت، انما هو فرض جملة من الشروط والتصورات قد تعسر المهمة على الشاهد، وهذا توجه غير مباشر لغلق المساحات على الرجل لعزله او ابعاده.
مساحات ضيقة تركها الاتحاد قد يجد الباجي قائد السبسي بها مدخلا لرفع الحصار عن الشاهد، وهذا غير مستبعد اذ ان الرجل لم يكشف طوال الشهرين عن اية ورقة من اوراقه وظل مشاهدا للتطورات، يتحكم في نسقها اما بالتسريع او خفض الوتيرة دون ان يكون ذلك بشكل مباشر.
امساك الباجي قائد السبسي باوراق اللعبة تعزز اكثر منذ يوم الثلاثاء الفارط، فانقسام الاطراف المشاركة في نقاشات قرطاج، عزز من هامش الحركة للرئيس ورفع عنه الحرج، فابرز ما حمله الانقسام، هو عدم اتفاق الرباعي الاقوى على تصور مشترك، فاتحاد الشغل والنداء يريدون رحيل الشاهد، والنهضة والأعراف مع بقائه. هذا سيكون حصان طروادة الذي يدخل من الرئيس ليقدم تصوره، الذي قد يشهد تعديلات وفق المجريات والتطورات.
تصور الرئيس سيرتكز على ان رحيل الشاهد ليس نقطة محل اجماع، وان الرافضين لهذه النقطة لهم وزن عددي، فهم خمسة اطراف، ووزن سياسي وانتخابي، النهضة والاعراف، بالاساس، اي ان محاولة فرض رأي الاقلية عليهم قد لا يكون في صالح البلاد والاستقرار السياسي.
الاتكاء على الوزن سيقترن بالاتكاء على الفترة المتبقية، والتي تتطلب انجاز مهام وليس تغيير حكومات، وهذا يعنى ان الاهم ليس بقاء الشاهد او رحيله، فهو قد بات رئيسا لجهاز تنفيذي يطبق ما يطلب منه، سواء في وثيقة قرطاج، او في توصيات لجنة المتابعة.
حجج الباجي قائد السبسي ليست هي نقطة قوته بل كيفية ادارته للنقاشات والازمة، وكيفية استعمال الاوراق لضمان اتجاه الامور الى صالحه في الفترة القادمة، وهذا يعني انه سيحتفظ الى اخر لحظة بكل ما في جعبته من «خبايا» لانقاذ الشاهد حتى وان كان على حساب ابنه حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي للنداء، الذي بات اول المطالبين برحيل الشاهد.