فيوم امس وفي كلمته التي تعلقت بالإصلاحات وما انجزته حكومته، تسنى للاحزاب والكتل ان تعقب في الجلسات، لكن صوت اهم طرفين معنيين بمضمون الإصلاحات، اتحاد الشغل ومنظمة الاعراف، ارتفع خارج أسوار المجلس، الاول بالتحذير من التفويت من المؤسسات العمومية فيما الثاني، يعرب عن الارتياح لكن مع تخوف من ان يظل الامر مجرد كلام.
كثيرة هي الرسائل التي تضمنتها كلمة يوسف الشاهد يوم أمس في جلسة المساءلة بالبرلمان، لكن أهمها، او قد يكون، ما أعلنه عن تصور حكومته لإصلاح المؤسسات العمومية، اذ لمح الشاهد الى ان هناك فرضية للتفويت في مؤسسات عمومية تنشط في القطاعات التنافسية، وغير إستراتيجية، دون ان يحدد ان كان التفويت جزئيا ام كليا. تصور الحكومة الذي اعلنه الشاهد سبق وان قدمه وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، وهو يقوم على ادخال شركاء استراتيجيين في عدد من المؤسسات العمومية التنافسية.
هذا التلميح قابله عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل سامي الطاهري، بوسم الخطاب برمته بـ»الفاشل»، اذ يشدد الناطق الرسمي للاتحاد، على ان خطاب الشاهد يدل على انه «لا يعي خطورة الوضع» بل وانه «يضع راسه في الرمل» والهروب الى الامام، هذا الرد العنيف يبرره الطاهري بالتشديد على ان ما يقصد بقول الشاهد بالتفويت في المؤسسات التنافسية هو التفويت في المؤسسات الرابحة، التي تدر على الدولة موارد مالية هامة.
هذه المؤسسات التي وصفها الطاهري بأنها اهم محركات الاقتصاد التونسي في ظل الركود الحالي، مهددة من وجهة نظره من قبل أطراف «مصمّمة على نهب ثروة التونسيين واغتصاب حقهم الذي راكموه عبر أجيال وبالبناء والتضحيات والعمل»، وهذا لا يقبل به اتحاد الشغل، الذي قال عنه الطاهري انه سيتصدى للأمر في «الميدان»، ان تعذر ان تقتنع الحكومة بالحوار.
موقف قال الطاهري انه في تناغم مع التوافقات السابقة بين منظمته والحكومة، حيث نص اتفاق أمضاه الشاهد، على أن يقع النظر في وضعية المؤسسات العمومية حالة بحالة، وان يكون الهدف الأساسي هو إصلاحها وضمان إعادة تعفيها، فوضعية المؤسسات تختلف من وحدة إلى أخرى، وفق الطاهري الذي صنف المؤسسات وفق احتياجاتها، البعض في حاجة إلى إعادة هيكلتها وضمان حوكمة ناجعة لها والبعض الأخر يحتاج الى هيكلة اجتماعية، الصنف الثالث يحتاج الى استخلاص مستحقاته من عند الدولة لإعادة توازناته المالية.
هكذا يرى اتحاد الشغل الحل، وليس «الخوصصة» فهو يعتبرها «حلا سهلا لا يرضي الا اللوبيات التي تضغط لتستولي علي الملك العام»، في الطرف المقابل تنظر منظمة الاعراف الى مضمون الشاهد بنصف عين، فهي وفق ما عبر عنه عضو المكتب التنفيذي سامي الفطناسي، اتت في الوقت «المفروض»، اي قبل فوات الوقت نهائيا، فمنظمة الأعراف تعبّر عن خشيتها من ان يظل الامر «خطابا» في ظل مشاكل عديدة اخرى.
الفطناسي شدد على ان اصلاح المؤسسات العمومية امر ملح ومستعجل فمنظمته لم تعد تقبل بان تدفع الضرائب لتنفق على مؤسسات عمومية «ميته» وعملية بقائها دون دعم مستحيلة، فالاعراف لن يقبلوا ان يسلط عليهم لاحقا ضغط جبائي لانقاذ مؤسسات عمومية غير استراتيجية ولا دور اجتماعي لها، لكن رفض صرف اموال الضرائب على انقاذ المؤسسات لا يعني وفق الاعراف التفويت فيها برمتها.
فالحل المقترح من قبلهم هو التفويت الجزئي في بعضها عبر الية الشريك الاستراتيجي، اي بفتح راس مال الشركات المعنية امام شركاء استراتيجيين وفق معايير واهداف تحدد، هذا الحل يعتبره الفطناسي غير متناقض مع اهداف اتحاد الشغل، التي يقول انها السبب الرئيسي في رفضه التفويت، بل يشير الى ان الاعراف والشغالين يتفقون على جملة من النقاط وهي ان عملية اصلاح المؤسسات لا يجب ان تمسّ العمال او الدور الاجتماعي للمؤسسة.
ما يختلف فيه الاعراف واتحاد الشغل ليس الهدف بل الآليات لتحقيقه، فالاعراف يشددون على انهم في صف الاتحاد ان تعلق الامر بالاهداف العامة وما يرغبون فيه هو ان يفتح النقاش للحسم، لكن العبارات الهادئة المتجنبة للصدام قد لا تكون كافية لمنعه ان وضع تصور الحكومة محل تنفيذ، هذا ان تم سيكون عنوان مرحلة من الصدامات بين الشاهد والنقابيين، وربما يختار الاعراف الحياد.