يفتح المجال أمام احتمالين لا ثالث لهما، مبادرة تنقيح القانون لانتخاب الأعضاء الثلاثة أو إعادة فتح باب الترشح من جديد وانتظار أشهر أخرى للتوافق على هوية من سيكون في المحكمة، واختيار أي منهما ليس بالأمر اليسير فلكل منهما ثمنه السياسي والأخلاقي.
يبدو أن الأسبوع الذي منح لرؤساء الكتل البرلمانية لتفعيل توافقاتهم السابقة، بشان هوية الأعضاء الثلاثة الذين سيختارهم مجلس النواب لعضوية المحكمة الدستورية، لم يكن كافيا لتغيير ما حدث في جلسة التصويت الفارطة، التي رافقها اتهام لحركة نداء تونس بالنكوص عن التوافق.
اتهامات كان مردها أن العضو الوحيد الذي مر بصندوق الاقتراع كانت مرشحة النداء، روضة الورسيغني، في حين سقط من كان برفقتها في قائمة التوافقات وهم العياشي الهمامي وسناء بن عاشور في صنف المختصين في القانون وعبد اللطيف البوعزيزي من غير المختصين في القانون. وثلاثتهم لم يحصدوا الأًصوات الضرورية للمرور وهي الـ145.
العودة لجلسة 14 مارس الجاري، تشرح قليلا ما حدث امس، حيث علم الجميع منذ الصباح أنهم في طريق إعادة فتح باب الترشح بعد ان قررت الكتلة الحرة إلغاء التوافق السابق، وهذا عبر عنه في صندوق الاقتراع (انظر مقال هيثم الزقلي)، في قراءة خاصة بهم لمضمون كلمة رئيس الجمهورية التي تطرق فيها إلى إمكانية تنقيح القانون لتجاوز عقبة شرط ثلثي الأصوات.
مقترح رئيس الجهورية وتصوره لحل يبدو انه القشة التي أمسكت بها حركة نداء تونس والمشروع، للاعادة تشكيل توافق جديد. وقد يكون مهما العودة لحيثيات ما تم وتفصيلها لمعرفة مكمن الخلل ومن يتحمل مسؤوليته، لكن ما قد يكون اهم معرفة ما الذي يحمله القادم ان تعلق الامر بملف المحكمة الدستورية، والمخاطر التي ستصاحب اي حل يتبع، انتظار سنة او تعديل القانون.
أول الحلول هو العودة على بدء، اي فتح باب الترشح من جديد واتباع ذات المسار وهذا سيكلف الجميع «الوقت»، الذي ليس ترفا ليهدر، خاصة وان تونس التزمت وتعهدت أمام شركائها الدوليين وصندوق النقد الدولي، بان يقع تركيز المحكمة الدستورية خلال هذه السنة ضمن تعهدات باستكمال مسار الانتقال الديمقراطي وتركيز مؤسسات الدولة واولها الهيئات الدستورية والانتخابات المحلية.
هذا النكوص عن الالتزامات سيؤثر لزاما على الواقع التونسي، فالتقييم الايجابي لمسار الانتقال الديمقراطي في تونس من قبل القوى الإقليمية والمؤسسات المالية، لن يستمر، فقد يقع إعادة النظر في مدى التزام الطبقة السياسية التونسية، وهذا ان تم سيكون ثمنه باهظا جدا، فالمشهد سيكون كالتالي آفاق اقتصادية سلبية وانتكاسة في المسار السياسي.
تعطل إرساء المحكمة الدستورية، لن تكون تداعياته خارجيا فقط بل داخليا ، في ظل قنوط من المشهد السياسي بصفة عامة، وانعدام ثقة في مكوناته التي تنزلق مرة بعد اخرى الى سلوكيات تعمق «النفور» منها، ولكن الاهم هو وضع المحكمة الدستورية قبل تشكلها محل شك، منذ الان.
هذا الخيار الذي قد يكون ثمنه ايسر من الخيار الثاني المتمثل في تنقيح القانون بما يسمح بانتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين دون الحاجة الى ثلثي الأصوات، هذا ان تم لن يكون كافيا لضمان انتخاب الأعضاء، ففي جلستي التصويت السابقتين، لم يصل اي من المرشحين الثلاثة الى عتبة 109+ صوت.اي أن اي تعديل للقانون دون توافقات لن يكون كافيا، هذا اولا اما ثانيا فهو اي نسبة يقع اعتمادها وانعكاس هذا على المحكمة الدستورية ومبدأ المساواة بين المرشحين، فروضة الورسيغني مرت بحوالي 150 صوتا، فيما قد يمر البقية باقل من 120 صوتا.
الاشكال الثالث وهو استمرار الإشكال الثاني اي نسبة تعتمد ولا تكون «مخجلة» او مهينة لروح الدستور، فالواضح من تلميح رئيس الجمهورية هو الذهاب الى تعديل نسبة الاصوات، وهذا يعنى ان التوجه هو لخفضها الى اقل من ثلثين، اي اقل من 145 صوتا، ولكن في المقابل اكثر من 109 أصوات. هنا اية نسبة ستكون هي المثالية دون ان تستمر ازمة تحقيق النصاب او «التهكم على الدستور».
رابعا وقد يكون هذا المحدد، التوافقات القادمة لتمرير المرشح وفق النسبة الجديدة من ستقصي، فالكل يعلم اليوم ان الازمة مردها التناحر لتمرير كل طرف مرشحه على حساب الاخر.
في الختام اي خيار سيتخذ سيكون ثمنه باهظا على الطبقة السياسية وبالاساس على تونس، فما هو محل تجاذب اليوم هي المحكمة الدستورية، احد اهم اذرع الديمقراطية والفيصل في ما يتعلق بتنزيل الدستور، هذه الاداة يقع الزج بها في تجاذب سياسي يغفل عن ان الصورة الاعتبارية للمحكمة هي اهم ما تمتلك.