يأتي الباروميتر السياسي لشهر مارس الذي تنجزه مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة «المغرب» ليؤكد الحقيقة التالية : تواصل ارتفاع منسوب التشاؤم ليقارب للشهر الرابع على التوالي %80 من المستجوبين (%77.9) ولكن اللافت في هذا الباروميتر هو احتلال «إصلاح التعليم» صدارة الأولويات عند التونسيين وذلك لأول مرة منذ جانفي 2015 تاريخ انجاز أول باروميتر سياسي شهري وعندما يتقدم «إصلاح التعليم» على أولويات الحد من غلاء المعيشة ومكافحة الإرهاب ومكافحة الفساد والحد من البطالة فلذلك معاني عديدة سنسعى للوقوف عليها عند تحليل هذه الأرقام
كم نحن بعيدون اليوم عن طفرة التفاؤل التي سجلناها في شهري جوان وجويلية 2017 في علاقة بحملة الإيقافات التي شملت بعض بارونات التهريب والفساد..حينها نزل مستوى التشاؤم إلى %54.2 وهي نسبة لم تحقق منذ جويلية 2015.. ولكن من شهر إلى آخر عاد التشاؤم ليطغى على مشاعر التونسيين وهو الآن مستقر في مستويات مرتفعة تتجاوز ثلاثة أرباع العينة منذ خمسة أشهر متتالية ..
في سوسيولوجيا التشاؤم
والملاحظ هنا أن مستوى التشاؤم عند القواعد الانتخابية للنداء وللنهضة متقارب جدا مع المستوى الوطني وإن كان النهضويون اليوم أكثر تفاؤلا ، نسبيا، من الندائيين..
أما على المستوى الجهوي فنجد أن الجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي) هي المنطقة الأكثر تشاؤما (%84.9) وقد يعود هذا إلى الأزمة المزمنة التي ألمت بالحوض المنجمي ووضعية انسداد الأفق التي سادت في هذه الولاية منذ بداية هذه السنة
في المقابل تبدو ولايات الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين ) الأقل تشاؤما بـ%73.3..
من ثوابت الباروميتر السياسي هو غلبة نسبة التشاؤم عند النساء بصفة تكاد تكون عامة من شهر إلى آخر ..ففي شهر مارس هذا نجد أن التشاؤم قد بلغ عند النساء %82 مقابل %73.7 فقط (إن صحت الكلمة ) عند الرجال وكذلك مرة أخرى لا يكون الفارق ضخما عندما ننظر إلى توزع نسب التشاؤم بين الطبقات الاجتماعية فالطبقة المرفهة هي بلا شك اقل تشاؤما من الطبقة الشعبية ولكن الفارق بينهما هو في حدود 4 نقاط فقط بينما تكون الطبقات الوسطى بصنفيها (السفلى والعليا) قريبة جدّا من المعدلات الوطنية وهذا يعني أن أسباب التشاؤم قد تختلف من فئة الى أخرى ولكنها تبقى كلها مرتفعة جدّا عند الجميع..
هنالك ثابت آخر في هذا الباروميتر السياسي وهو العلاقة الطردية (proportionnelle) بين التفاؤل والتقدم في السن فالشباب (18 - 25 سنة) هم الأكثر تشاؤما (%84.5) بينما تبقى أجيال ما فوق الستين سنة هي الأقل تشاؤما (%67.8) وان كانت بعيدة جدا هي الأخرى عن الاقتراب من منطقة التفاؤل ..
هنالك أيضا علاقة طردية نجدها في جل دورات الباروميتر السياسي وهي بين التشاؤم هذه المرة وبين التدرج في المستوى التعليمي ، فالأميون دوما هم الأقل تشاؤما (%68.4) في حين تصل هذه النسبة عند أصحاب مستوى التعليم العالي إلى %81.4..
ملخص نموذج التونسي الأقل تشاؤما هو رجل أمّي تجاوز الستين ومن أهالي الجنوب الشرقي بينما يكون نموذج التونسي الأكثر تشاؤما هي فتاة شابة من أصحاب مستوى التعليم العالي ومن أهالي الجنوب الغربي
تقييم التونسي للأوضاع
نجد الترجمان الأفضل لوضعية التشاؤم عند التونسيين في الإجابة عن السؤال التالي : عندما تقارن الوضعية المالية لعائلتك هذه السنة بما كان عليه أمرها في السنة الفارطة ماذا تقول ؟ والجواب يأتي واضحا : حوالي ثلثي العينة (%63.8) يرون أن وضعيتهم المالية قد ازدادت سوءا ..
وعندما ندقق في الإجابات نجد أن أكثر من الثلث (%35.6) يعتبرون أن وضعيتهم قد ازدادت سوءا بصفة كبيرة للغاية مقابل %3.4 فقط يعتقدون أن الوضعية المالية لعائلتهم قد تحسنت كثيرا ..
ولكن هذا التشاؤم الكبير عندما يتعلق الأمر بتوصيف الوضعية الآنية المالية للعائلة التونسية يتراجع بصفة ملحوظة عندما يتعلق الأمر بالتكهن بمآلات الوضعية المالية للعائلة في السنة القادمة إذ تعتبر أغلبية نسبية (%38 مقابل %35.4) بأن الوضعية ستتحسن ولو بصفة نسبية بينما يعتقد حوالي الخمس (%18.6) بأن الأمور ستكون على ما هي عليه الآن ..
ويطغى التشاؤم من جديد عندما نسأل التونسيين حول تصورهم لوضعية أبنائهم في المستقبل فتقول أغلبية واضحة (%58.4 مقابل %37.8 ) بأن الوضع سيكون أسوأ من الوضع الحالي .. وإذا كانت هذه هي الوضعية النفسية للأولياء فما بالك بما ستكون عليه الحالة النفسية للأبناء !!
أهم نجاحات وإخفاقات الحكومة والخوف على المدرسة العمومية
يعترف التونسيون للحكومة بنجاحين اثنين وبصفة واضحة : مكافحة الإرهاب (%87) وإرساء الأمن (%85) ولكن التونسيين يعتبرون أن الحكومة قد أخفقت في كل الملفات الاقتصادية والاجتماعية فهي لم تتمكن من الحد من غلاء المعيشة بالنسبة لـ%90 من المستجوبين ولا أصلحت التعليم (%86) ولا حدّت من البطالة (%83) ولا حسّنت الاقتصاد (%78) ولا دفعت بالتنمية الجهوية (%69) أو غيّرت نحو الأفضل القطاع الصحي (%68) أو حسنت البنية التحتية (%62) إذن باستثناء مقاومة الإرهاب وإرساء الأمن الحصيلة تتراوح بين السلبي والسلبي للغاية واللافت هو احتلال مسألة التعليم اهتماما متزايدا عند التونسيين ذهب بهم هذا الشهر ولأول مرة منذ جانفي 2015 إلى اعتبار إصلاحه أولوية الأولويات بـ%15.5 متقدما على الأولويات التقليدية إن جازت الكلمة كالحد من غلاء المعيشة وخاصة مكافحة الإرهاب والفساد المالي والإداري ..
وعندما يقول التونسيون «اصلاح التعليم» فهم لا يقصدون به ضرورة إصلاح المنظومة التربوية كما قد يفهم ذلك المهتمون بالمدرسة من سياسيين ونخب وأهل التربية بل يقصدون بالأساس إعادة بناء الثقة في المدرسة العمومية والمطالبة بقيامها بواجبها الأصلي : توفير تعليم ذي جودة لكل التونسيات والتونسيين وعندما يرى حوالي تونسي من أصل ستة بأن إصلاح التعليم بهذا المعنى العام – ينبغي أن يكون هو أولوية الأولويات للحكومة فهذا يعكس مدى تخوفهم على مستقبل أبنائهم اذ لا يكفي سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بل أضفنا إلى ذلك سوء أوضاع المدرسة العمومية كفضاء أولا وكمناخ تربوي ثانيا وكمنتوج دراسي ثالثا دون أن نغفل أهمية الأمن داخل المؤسسة التربوية واستفحال العنف فيها وشتى مظاهر الانحراف واضطراب أوضاعها الاجتماعية ولا نعتقد ان مسألة حجب الأعداد التي أقدمت عليها النقابة العامة للتعليم الثانوي ببعيدة عن هواجس الأولياء هذه..
ويكفي أن نعلم ان هذه الأولوية (إصلاح التعليم ) طاغية في المناطق الأكثر نموا من بنزرت إلى صفاقس وهي هاجس النساء والطبقة الوسطى العليا والشباب وأصحاب مستوى التعليم الجامعي لندرك بأن نخب البلاد (بالمعنى الواسع للكلمة ) هم المتخوفون أكثر من غيرهم نسبيا من تردي مستوى المدرسة التونسية اليوم
ثقة التونسي في المؤسسات والهياكل
لم نسجل تحولات هامة في هذا الشهر في ثقة التونسي في المؤسسات والهياكل فالمؤسسة العسكرية تحظى دوما بثقة اجماعية (%98 منها %86.5 من الثقة المرتفعة جدا ) تتبعها المؤسسة الأمنية بـ( %86 من الثقة من بينها %47.6 من الثقة المرتفعة جدا )
بعد ذلك نجد ثالوثا يحظى بثقة هامة نسبيا : جمعيات المجتمع المدني وهيئة مكافحة الفساد ووسائل الإعلام ..
في مؤخرة الترتيب نجد كالعادة الأحزاب السياسية والتي لا تحظى إلا بثقة %17 فقط من مجموع التونسيين ويتقدم قليلا عليها مجلس نواب الشعب بـ %28 وكما أكدنا على ذلك في أكثر من مناسبة نحن هنا أمام معضلة تونس الكبرى : اهتزاز الثقة في المؤسسة الحزبية والبرلمانية أي في رافعتين أساسيتين للديمقراطية ولكن يبدو أن المعنيين بالأمر لم يقوموا بشيء يذكر – إلى الآن – حتى تجسّر هذه الثقة ولو نسبيا .
الجذاذة التقنية للدراسة
مجتمع الدراسة : افراد تونسيون يقطنون التراب التونسي ممن هم في سنّ 18 سنة فاكثر ومن جميع الولايات
تصميم العينة : وفق طريقة الحصص ( cota ) حسب الفئة العمرية، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
العينة : 969
نسبة الخطأ القصوى :%3
تاريخ االدراسة: من 6 مارس 2018 الى 12 مارس 2018
طريقة جمع البيانات : بالهاتف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)