و تختصر كل ما يدور في أذهانهم، لتبلغ الآخر، حليفا كان أو عدّوا وابرز ما نقل في الكلمات ليست المواقف بل «الوقت» والتوقيت، فالكل يراهن على الوقت بطريقته، ويبني عليه حساباته، خاصة الاحزاب التي تريد له ان يتمدد الى ما بعد الانتخابات .
منذ اول امس الثلاثاء اتضحت بعد تفاصيل الصورة العامة المتعلقة بادارة ملف الحكومة، فاتحاد الشغل الذي غادر امينه العام اجتماع الموقعين على وثيقة قرطاج، حرض على تحديد آجال لحسم الملف، وجعلها أياما معدودة، فمن تاريخ انتهاء اللقاء الى نهاية الاسبوع الجاري تتشكل اللجنة المكلفة بصياغة خارطة الطريق، وتنهي أعمالها وتقدمها لقادة المنظمات والاحزاب، التي ستنظر في ما بين يدها الاسبوع القادم لتقرر ما العمل، تحوير وزاري ام تغيير الحكومة.
ضبط الآجال من قبل اتحاد الشغل وبدرجة اقل منظمة الاعراف، هدفه التسريع في حل الملف وعدم إهدار الوقت، فمنظمة الشغالين تريد ان «تدق الحديد وهو ساخن» ليطيعها لا ان تنتظره ليبرد فينكسر، اي انها تريد ان تستغل حالة الارتباك الجزئي وانشغال الأحزاب بالاستحقاق البلدي واختيار أعضاء المحكمة الدستورية، ليحقق مراده ويغير من كان تقييمهم سلبيا من منظور الاتحاد.
لكن ما أعلنه الأمين العام نور الدين الطبوبي من آجال قابله نفي من رئاسة الجمهورية على لسان الناطقة الرسمية باسمها سعيدة قراش، التي تجنبت الصدام مع الاتحاد وهي تعلن انه لم يقع الاتفاق على الآجال كما أشار الأمين العام، الذي قالت انها تتفهم ان تسريعه لوتيرة الأمور مرده البحث عن إخراج البلاد من الوضع الصعب الذي تعيشه. لكن التفهم لا يعني القبول فقراش حرصت على إبراز ان التريث وتجنب الإسراع مهم كما شددت على ان الاتفاق الحاصل خلال اجتماع الموقعين على وثيقة قرطاج كان بشان تكوين لجنة من قبل الأطراف المشاركة كلفت بتقديم مقترحات وصياغة مشروع برنامج عمل تطبقه الحكومة في الفترة القادمة.
اختلاف المواقف لم يقف عند حد التصريحات والإيضاحات، فما يهم في السياسية هو الفعل، وهنا استغلت الأحزاب الامر لتربح الوقت بطرق مختلفة، واول الطرق تعطيل تشكيل اللجنة قليلا، فأسماء أعضاء اللجنة الـ18 المفترض ان يتقدم كل طرف من الاطراف التسعة بإسمين، لم يقع بعد تحديدهم من قبل غالبيتهم، الى غاية كتابة هذا المقال.
فحركة النهضة خصصت اجتماعا لمكتبها التنفيذي لتقرر هوية ممثليها، اللذين سينقلان مقترحات الحركة ذاتها المقدمة قبل ان يعودا الى الحركة ويقدمان لها نتائج أعمال اليوم الاول، لتعقد هي بدورها اجتماعات لمكتبها السياسي فالتنفيذي لتقدم موقفا يعود للنقاش من جديد ويستمر الوضع هكذا بضع الوقت.
الأمر لا يختلف عن نداء تونس الذي شدد المتحدث الرسمي باسمه المنجي الحرباوي على ان هوية ممثلي الحركة ستعرف يوم اللقاء، وان اللقاء ستطرح فيه مقترحات النداء الـ15 التي وصفها بالواقعية، ينتظر ان تتبنى منهم اللجنة البعض، حتى وان كانت كما يشير لجنة لا تتمتع بصلاحيات تقريرية.
الامر ذاته يستمر لدى بقية الاحزاب، فالمسار لم يقرر من سيمثله ولا منهجية العمل، مثله مثل الوطني الحر واتحاد الفلاحين بل ومنظمة الاعراف التي لم تحدد بعد من سيكون ممثلها في اللجنة، لكن وحده الاتحاد راسل الرئاسة بهوية ممثليه، وهما انور بن قدور وسمير الشفي، وفق ما اعلنه زميلهما في المكتب التنفيذي سامي الطاهري في تصريح لـ«المغرب».
الطاهري قال ايضا ان الاتحاد ضبط مهنجية العمل التي سيقترحها، وهي تقوم اولا على الانطلاق بتقييم عمل الحكومة وأدائها، ثانيا تحديد ما تم تنفيذه من اولويات وثيقة قرطاج الاولى وبعده يقع اعادة تبويب الاولويات، وثالثا سيقع تغيير كلي للحكومة او جزئي، هذه النقطة الاخيرة سيكون تجاوب رئيس الحكومة الحالي هو العنصر الحاسم فيها.
ما يعلنه الجميع من مواقف تتجنب الاصطدام باتحاد الشغل وهذا لا يعني انهم متحمسون لتسريع تنفيذ ما تطالب به منظمة الشغالين، وهذا ما تكشفه الافعال، فالاتحاد الذي ضرب آجلا للحسم سيجد نفسه يخفض من سرعة نسقه تدريجيا بسبب الوتيرة المنخفضة التي تعمل بها الاحزاب، وما تعطل ارسال اسماء الممثلين عنها الى رئاسة الجمهورية الا احد اوجه ربح الوقت.