رسمية للدولة التونسية تعلن أيّا من مواطنيها مؤمن وايهم كافر في تنافس محموم بينها وبين «شيوخ» وافراد، الأمر لايزال كما هو بعد ثلاث سنوات من المصادقة على تجريم التكفير في الدستور، والتنصيص في قانون مكافحة الارهاب على عقوبات زجرية لكل من كفر تونسيا، مكَفّرٌ ومٌكَفّر. قدر يبدو انه سيظل يلاحق البعض في ظل غياب التتبع القضائي.
تكفير يوسف صديق اعاد فتح القمقم على مارد التكفير في تونس، فالباحث والمختص في الإسلاميات وجد نفسه محور جدل جديد في تونس، مجموعة تكفر وتدعم من كفر الصديق ونخبة تدافع عن التفكير ضد التكفير وتصدر بيانات دعم وادانة.
في ظل هذا الجدل الذي بات اليوم جزءا قارا في نقاشات الفضاء العام التونسي منذ 2011، تقف الدولة وأجهزتها المكلفة بإنفاذ القانون على الهامش تراقب دون تدخل رغم ان الدستور التونسي منع في الفقرة الثانية من الفصل السادس التكفير بقول صريح « ....كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها».
المنع فصل لاحقا في نص قانوني هو قانون مكافحة الارهاب ومنع غسيل الاموال، الذي صادق عليه في 2015 ونص صراحة على ان عقوبة التكفير تصل الى الاعدام ان نجم عن فعل التكفير موت، في حين تتراوح العقوبة في غير ذلك من سنة الى خمس سنوات سجنا.
عقوبات رادعة لم تطبق بعد اكثر من سنتين على اقرارها، مما سمح بان تتكرر عمليات التكفير خلال هذه الفترة، فيوسف الصديق بمفرده كفر في اكثر من 3 مناسبات، دون احتساب عملية التكفير الاخيرة بعد قوله ان عملية جمع القران وشكله عملية سياسية، وان القران المنزل مختلف عما هو موجود حاليا.
راي قد يكون صادما للبعض، لكنه لا يبرر قانونا تكفير صاحبه، سواء بالتلميح كما فعل المحامي حسن الغضباني بقوله ليوسف «من حقك ان تكفر بالقران ومن حقي الدفاع عنه» او كما فعل العشرات الآخرون من تكفير ودعوات لإقامة حد «الردّة» على يوسف غزت الفضاء الافتراضي.
الصديق لم يكن هو أول ضحايا التكفير واول من نشرت بيانات دعم له من قبل مفكرين وجامعيين، فهو كما احمد الطالبي كُفرَ بسبب أرائه في أكثر من مناسبة، على غرار ما حدث له اثناء مشاركته في برنامج «عيال الله» الذي يبث على أمواج الإذاعة الوطنية التونسية ويقدمه محمد الصالح العبيدي، الذي اشار سابقا الى ان حصة حاور فيها الصديق تسببت في تكفير كليهما، وعملية التكفير هذه المرة صدرت عن مؤسسة رسمية وهي المجلس الإسلامي الأعلى في تونس الذي شبه يوسف صديق بسلمان رشدي مع اتهامه بتهمة الإساءة للإسلام والقرآن.
المجلس الإسلامي ليس المؤسسة الوحيدة التي تورطت في التكفير في تونس، فدار الإفتاء التونسية تورطت هي الأخرى وان بالتلميح لا القول الصريح بالكفر، على غرار ما قام به المفتي السابق حمدة سعيد في تعليقه على أراء المفكر الراحل احمد الطالبي الذي كفر من قبل مشايخ وأفراد منتسبين لجماعات إسلامية.
في حمى التكفير هذه يقف الجهاز القضائي عاطلا، فلا النيابة العمومية تحركت وفتحت تحقيقا لتحيل ملفه لاحقا للقضاء لينظر فيه، ولا من كفر رفع قضية. كأن الجميع ينظر الى الأمر على انه سجال فكري لن ينتقل إلى العنف، خاصة وان جل عمليات التكفير تاتي متوارية خلف عبارات كـ«هذا ليس من الإسلام»، «هذا تحريف للنص وخروج عن الدين» او التلميح الفج بان ما «يقوله فلان يعتبر ردة» او يستوجب إقامة حدها. .
خطأ تقدير نجم عنه إفلات الجناة من العقاب واستمرارهم في تكفير من يختلف عنه في قراءته وفهمه للنص، وعلى غير المسار التقليدي للتكفير، شيخ على منبر يكفر، بات التكفير متاحا في شبكات التواصل الاجتماعي الفايسبوك تويتر وغيرها لكل من امتلك حسابا، او أفراد في وسائل الإعلام السمعية البصرية باتوا يأتون فعل التكفير ضد خصمهم، على غرار ما آتاه عادل العلمي في قناة «تونسنا» من تحريض وتكفير لمدير برمجة إذاعة شمس راد، باعتباره يشتغل في إذاعة تدافع عن المثلية.
العلمي ومن جاوره من «شيوخ» الانترنات يجدون من يساندهم كلما «كفروا» خصما لكنهم لا يجدون من يتتبعهم قانونيا، رغم ان الترسانة القانونية تتوفر على عدد من الفصول المجرمة لما ياتونه، كأنّ يد القانون مع أياديهم ان رفعت لتكفر من اختلف عن القوم في قوله ورأيه.