تونس الصيحة لم تسمع بعد رغم انه ولسبع سنوات عشرات الأخبار الزائفة صنعت الرأي العام وورطت السياسيين وصحفيين وكادت أن تتسبب بالأزمات، لكن لا احد رفع صوته ليقول أن «التضليل» بلغ درجة غير مسبوقة عبر «الأخبار الزائفة» التي انتقلت من «الفايسبوك» إلى وسائل الإعلام.
«الأزهر يشطب تونس من قائمة الدول المسلمة» خبر اجتاح منصة التواصل الاجتماعي منذ يومين ونقلته مواقع إخبارية مضيفة إليه خلفية خبرية وهي شرح أسباب الشطب، خبر زائف نشر ليولد ردود فعل بلغت الازدراء والهجوم على الأزهر، لم يكلف من تداوله عناء التثبت منه.ما حال دون التثبت ان الخبر اطعم بشرح مفاده توجه لجنة الحريات والمساواة إلى تقديم مقترح تعديل قانون الحالة المدنية بان يحمل المولود لقب أمه العائلي إضافة الى إلغاء المهر من قوانين الزواج.
خلفية اضفت مصداقية على الخبر فنشر بشكل كبير، ليورط قادة ونوابا بالبرلمان وصحفيين، في تداوله وتقديم مواقف من «الشطب»، ليستمر الامر رغم تاكد عدم صحة الخبر الذي نقل عبر صفحات على الفايسبوك طوال يومين.
هذه عينة من «الاخبار الزائفة» سبقتها عشرات الامثلة والمئات، من بينها نشر صفحة باسم «فرانس 24» خبر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، خبر اعتمد على اسم القناة الفرنسية ليضفي مصداقية على مضمونه الذي ورط العشرات في تداوله ولم يمنعهم من ذلك «تكذيب رئاسة الجمهورية ولا القناة التي تبرات من الصفحة».
مع هذا الخبر وقع التطرق لاول مرة بشكل رسمي في تونس الى «الاخبار الزائفة» Fake News مع الإعلان عن التوجه لتشديد العقوبات على مروجي الأخبار الكاذبة، لكن عاد الصمت من جديد عن أكثر ملف بات يؤرق الدول الغربية، التي تعتبر نفسها اليوم في خطر بسبب هذه النوعية من الأخبار.
مرد الخطر الذي تشعر به الدول، وعبر عنه الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية ميركل صراحة مع الحديث عن سن تشريعات تجرم نشر هذه الإخبار، هو انه اليوم، هناك شركات متخصّصة في ما يعرف بـ«التضليل الإعلامي» او التلاعب من خلال الأخبار الكاذبة، بتكلفة منخفضة لحملات تشن على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه المواقع إضافة إلى محركات البحث أعلنت انها باتت أمام مشكلة كبيرة وأنها تتجه لسن إجراءات عديدة للحد منها، على غرار «الفايسبوك» و«غوغل» و«تويتر» لكنها تظل محاولات غير ناجحة لحد الان. وهو ما تفسره دراسة حديثة لـ Trend Micro )شركة مختصة في الأمن السيبراني( بأنه رخص تكلفتها).
الدراسة «آلة الأخبار الوهمية: كيف يستغل المروّجون الإنترنت ويتلاعبون بالجمهور»، تشرح كيفية القيام بالحملات وتكلفتها فهي تخلف من حملة عبر حسابات حقيقية الى حملة عبر بوتات (برامج تدير حسابات وهمية في ظل صناعة برزت فيها اسماء مثل شركة Xiezuobang الصينية ونظيرة لها روسية مختصتان في هذه التجارة التي تبرز فيها أيضا شركتا CoolSouk وDr.Followers التي كشفت الدراسة تكلفة خدماتهما.
في تونس الامر يختلف بعض الشيء، فالجمهور المستهدف بالأساس هم من متصفحي الفايسبوك الذين باتوا «هدفا» لعشرات الصفحات التي استغلت المناخ العام وتوجه التونسيين للفضاء الازرق لاستقاء الاخبار في ظل عزوف عن الاعلام التقليدي بسبب صورة دهنية ترسخت من سنوات حكم بن علي.
هذه الخلطة استغلتها احزاب سياسية كما استغلت الصفحات التي حشدت مئات الالاف من المتابعين لترويج أخبار وهمية وزائفة، وللتذكير الحملة التي تعرض لها الحزب الديمقراطي التقدمي، الجمهوري حاليا في انتخابات 2011، واستهداف زعيمه نجيب الشابي وامينته العامة مية الجربي، لتكون احد عوامل الفشل الانتخابي للحزب.
عشرات الحملات من وقتها عرفتها تونس، حملات قادتها صفحات باتت تعرف بقربها من هذا الطرف السياسي او ذاك، تتولى نشر اخبار ومقالات كاذبة وتروجها على مواقع التواصل على انها حقيقة، لتوجه الراي العام، على غرار مضمون الوثائق المسربة لخطة الامارات في تونس وجواسيسها.
الامثلة عدة لكن القواسم مشتركة، الحملة تنطلق من نشر وإعادة نشر مقال صحفي وإضافة مقدمة تتضمن ما يراد ان يعلق في ذهن المتصفح ليقع تداوله الاف المرات ويصبح حقيقة، وهذه العملية تستند أحيانا إلى مقالات تنشر في مواقع ساخرة تعرف نفسها على هذا الأساس ولكن كل ما ينشر فيه يقع الترويج له على انه «خبر» وحدث وقع على غرار «يخت» سمير ديلو وخبر جهاد النكاح الذي باتت رواية رسمية تبنتها وزارة الداخلية في 2014.
مئات الأخبار الكاذبة وجهت الراي العام في تونس وصنعت مزاجا عاما متقلبا في جل الأحيان، لكن الأخطر هو انها باتت توجه الطبقة السياسية وصناع القرار في تونس، فنواب بالبرلمان وهم عديدون تورطوا في نشر اخبار زائفة في جلسات عامة تبث مباشرة على القناة الوطنية الثانية ليضفوا مصداقية عليها.
هذه المعضلة المتمثلة في انتشار الأخبار الزائفة تقر دول عريقة في تجربتها الديمقراطية انها تمثل خطرا على الدمقراطية والحرية، لكن في تونس لا احد يقر بان الاخبار الزائفة تهدد مسارها الديمقراطي بل يقع استغلالها من قبل كيانات سياسية، لتحقيق مكاسب ظرفية دون ادراك ان البيت يقع على الجميع.