انعقدت ظهر الخميس المنقضي بالعاصمة الأمريكية واشنطن ندوة بعنوان «الطريق إلى الإصلاح في تونس» بمقر مؤسسة الأتلنتيك كاونسل (المجلس الأطلسي) وهي مؤسسة بحثية أمريكية غير حزبية مؤثرة في مجال الشؤون الدولية تأسست عام 1961، بحضور السيّد فيصل قويعة سفير الجمهورية التونسية في الولايات المتحدة وأعضاء من البعثة الديبلوماسية.
كان من ضمن المتدخلين الرئيسيّين بهذه الندوة أسامة الرمضاني، وزير سابق في عهد زين العابدين بن علي أشرف في الفترة ما بين 1991 و1994 على إدارة وكالة الإتصال الخارجي قبل أن يعين كوزير للإعلام سنة 2009 ثم يعزل قبيل إنهيار سلطة بن علي أواخر 2010. ولتعديل كفة الحوار، تمّت كذلك دعوة كل من الباحث السياسي فاضل عليريزة والباحثة بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي سارة يركيز، المشرفة على مشروع المرصد التونسي بهذا المعهد في واشنطن.
سبقت الندوة تنديدات من بعض النشطاء والباحثين على شبكات التواصل الإجتماعي بهذا الإختيار لتمثيل تونس والإفتاء في ما حققته على درب الإصلاح. إلا أن شقا آخر كان يرى أن دعوة أسامة الرمضاني ستمثل كذلك فرصة للإستماع لأحد المطلعين على خفايا فترة الحكم النوفمبري، عساه يكفر عما فعل بإطلاع الحاضرين على التجاوزات التي حصلت سابقا وسبل تلافيها في الفترة اللاحقة، خاصة وأن تونس تشهد اليوم عودة لتغول الحزب الحاكم الذي لا يختلف إثناء في إعتباره رسكلة لرموز النظام البائد وعقليته، مدعوما بتحالف غير مسبوق مع غريم الأمس حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي.
كانت المداخلة الأولى للضيف أسامة الرمضاني، حيث قام بتقديم تقييم للوضع العام حاليا في تونس من حيث التحديات الإقتصادية والصعوبات في تحقيق أي إصلاح حقيقي منذ ثورة 2011. ورغم عدم سعيه لنفي تحمل منظومة الحكم في عهد زين العابدين بن علي، إلا أن السيّد رمضاني لم يوضح في أي نقطة من النقاط التي طرحها شكل التجاوزات أو الهنات التي قادت الشعب إلى الإنتفاض على حكمه، بل كان الحكم عموميا من قبيل أن الأوضاع في تونس أواخر 2010 كانت تقود البلاد حتما إلى وضع الثورة على نظام بن علي.
كما حمّل رمضاني مسؤولية الوضع المتردي الذي تعيشه البلاد حاليا للأحزاب السياسية المتناحرة على الحكم بدون رؤى أو أجندات عمل حقيقية، جعلت من العمل السياسي منفرا للشباب الذي شارك في الثورة وأفقده الحماس للإنخراط فيه أو الأمل في مستقبل أفضل مع الطبقة السياسية الحالية.
مداخلة السيّدة سارة يركيز الباحثة بمركز كارنيغي في شؤون الشرق الأوسط إستهلتها بأن تونس التي كانت تمثل النقطة المضيئة الوحيدة في المنطقة أصبحت تحيط بها عديد نقاط الإستفهام والشكوك في مستقبل إنتقالها نحو الديمقراطية، وهو ما استشفته من لقائها بنشطاء وسياسيين تونسيين وباحثين دوليين. تقول السيّدة يركيز أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، تلقت بإندهاش تتابع الأخبار المريبة من تونس والتي تنبئ بسعي إلى إعادة مركزة السلطة لدى رئاسة الجمهورية، وذلك على إثر قيام مجلس نواب الشعب بالمصادقة على قانون المصالحة الإدارية، سعي رئاسة الجمهورية إلى فتح النقاش حول تعديل دستوري محتمل، وتأجيل الإنتخابات البلدية. تقول سارة يركيز أن تواتر هذه التحركات يأتي ضمن أسلوب الدكتاتوريات في
السعي لإعادة إحكام السيطرة. وإختتمت يركيز مداخلتها بمطالبة صانعي القرار في الولايات المتحدة بمواصلة دعم المجتمع المدني في تونس على وجه الخصوص لكونه الضمانة الأكبر التي أبرزتها السنوات الماضية في التصدي للإلتفاف على المسار الإنتقالي نحو الديمقراطية.
من جهته، سعى الباحث فاضل عليريزة إلى مزيد تحديد النقاط التي تدعو للقلق بخصوص إنعدام الإرادة لدى رئاسة الجمهورية من جهة، والأحزاب الحاكمة ممثلة في مجلس نواب الشعب من جهة ثانية، في تحقيق إصلاح ملموس وذلك من خلال إيلائهم العمل على مطالب فئوية ضيقة مثل قانون المصالحة أولوية على باقي المشاريع لأكثر من سنتين، وفي المقابل إهمال العمل على إصدار مجلة الجماعات المحلية أو تحديد موعد لأوّل انتخابات بلدية حوالي سبع سنوات ما بعد الثورة. كما تطرق إلى الحراك الشبابي ممثلا أساسا في حملة (مانيش مسامح) التي عارضت هذا القانون منذ صدوره أولا في أكتوبر 2015، مبينا أن القناعة بضرورة خوض الشباب للعمل السياسي أصبحت حتمية وضرورية أكثر من ذي قبل حيث تبين أن الأجيال السياسية السابقة، سواء التي تتصدر اليوم السلطة أو المعارضة، قد لا تسعى بنفس الحماسة إلى العمل على تحقيق أهداف الشباب في العيش الكريم ووضع حد للفساد. وختم مداخلته بإستعراض بعض الأرقام من الدراسة التي أصدرها المعهد الجمهوري الأمريكي في بداية الاسبوع حول انتظارات الشباب والتونسيين عموما من الإنتخابات البلدية وضعف نوايا الإقبال على المشاركة الإنتخابية.
بعد إنتهاء المداخلات، فتح المجال للنقاش مع الحضور من الباحثين الأمريكيين والمقربين من دوائر صنع القرار. وكانت أغلب الأسئلة الموجهة من الحضور تسعى للحصول على تقييم لحملة حكومة الشاهد على الفساد، التي لم يتبيّن بعد مدى جدواها أو جديّتها في محاربة هذه الآفة. كما وجّه سؤال من أحد الحضور التونسيّين للوزير الأسبق بحكومة بن علي عن مدى الثقة التي يتسنى على التونسيين اليوم وضعها في أقوال أو أفعال رموز نظام النوفمبري العائدين للحكم.