والمصالحة صلب الهيئة 5619 طلب تحكيم وعالجت 2360 طلبا منها، وقامت هذه اللجنة بالتحقيقات اللازمة وعقدت جلسات تحكيمية بحضور المكلف العام بنزاعات الدّولة بعد تقديم المنسوب إليه الانتهاك لإقرار كتابي يتضمّن بيان الوقائع التي أدت إلى استفادة غير شرعية وقيمة الفائدة المحققة من ذلك، وكذلك بعد تقديمه لاعتذار صريح.
عبرت مكونات المجتمع المدني من منظمات وجمعيات واحزاب عن معارضتها للقانون وعن عدم دستوريته لما تضمنه من فصول مخالفة للعدالة الانتقالية وهو ما جعل نواب المعارضة يطعنون في دستوريته لدى الهيئة الوقتية لدستورية القوانين .
في تعليقها على قانون المصالحة الادارية اكدت هيئة الحقيقة والكرامة انه لا يمكن إعادة الثقة في مؤسسات الدولة حينما يخون المؤتمنون على السلطة العمومية الأمانة ويفلتون من العقاب، و يكرّس القانون الإفلات من العقاب ليمثل بذلك مدخلا لتكرار الانتهاكات في المستقبل، كما يحول دون تفكيك منظومة الفساد وإصلاح المؤسسات لضمان عدم التكرار.
واعتبرت ان القانون، بذلك يعتبر ضربا لمسار العدالة الانتقالية، وتعديّا على مهام هيئة الحقيقة والكرامة على نحو ما ضبطه قانون العدالة الانتقالية حيث ينتهك تحديدا آليات كشف الحقيقة، والمساءلة، وإصلاح المؤسسات والتحكيم والمصالحة.
وبما ان القانون يشمل الجانب الاداري أي الموظفين اوضحت هيئة الحقيقة والكرامة انها قامت بالتحقيق في الانتهاكات التي قام بها بعض موظفي الدّولة وتحديدا دورهم في الفساد والاستيلاء على المال العام وانها تمكنت من أن تكتشف كيف قامت عائلة بن علي والمقرّبين منه بتحويل أصول وأملاك الدولة لفائدتهم الشخصية وذلك بتوظيف مؤسسات الدولة وبعض الموظّفين في البنوك العمومية والقضاء والأمن للحصول على امتيازات بغير وجه حق مع معاقبة من قاوموا هذه الاخلالات.
التحقيقات التي ذكرتها هيئة الحقيقة والكرامة كشفت الارتباط الوثيق بين الفساد المالي وانتهاكات حقوق الإنسان، كما كشفت دور الموظفين السامين في الدولة في حصول هذه الانتهاكات، واضافت انه تمّت المصادقة على القانون الجديد دون أدنى تقييم لمسار العدالة الانتقالية المستمرّ منذ زهاء ثلاث سنوات، وبدون التشاور مع هيئة الحقيقة والكرامة، في خرق تامّ للالتزام المحمول على الدّولة في المساءلة ووضع “الآليات التي تحول دون الإفلات من العقاب أو التفصّي من المسؤولية” وفق ما يقتضيه(الفصل 6).
وشددت الهيئة على ان تحافظ الدولة على مصداقيتها وتماسك سياساتها، فلا يمكن تقديم آليتين للمصالحة متوازيتين ومتعارضتين في نفس الوقت. حيث تمنح آلية التحكيم في هيئة الحقيقة والكرامة وفق الفصل 46 من قانون العدالة الانتقالية، لكل منسوب إليه انتهاك، وكذلك لكل ضحية، إمكانية سلك هذه الآلية من أجل المصالحة.
وقد استقبلت لجنة التحكيم والمصالحة صلب الهيئة 5619 طلب تحكيم وعالجت 2360 طلبا منها. وقامت هذه اللجنة بالتحقيقات اللازمة وعقدت جلسات تحكيمية بحضور المكلف العام بنزاعات الدّولة بعد تقديم المنسوب إليه الانتهاك لإقرار كتابي يتضمّن بيان الوقائع التي أدت إلى استفادة غير شرعية وقيمة الفائدة المحققة من ذلك، وكذلك بعد تقديمه لاعتذار صريح.
يعطي هذا القانون، علاوة عن عدم دستوريته، رسالة تشجيع للفاسدين، والحال أن الحكومة ما فتئت تؤكد إعلانها الحرب ضدّ الفساد. حيث سيزيد هذا القانون من انتشار الفساد، وهو ما سيعطّل الإصلاحات المؤسساتية التي طال انتظارها من أجل إرساء دولة القانون. كما من شأنه أن يعسّر مهمة الهيئة للقيام بالإصلاحات المؤسساتية، ومراجعة التشريعات وغربلة مؤسسات الدّولة.
يطرح هذا القانون مشكلة خطيرة بخصوص الأمن القانوني وذلك من خلال وجود آليتين قانونيتين مختلفتين لهما موضوع واحد، وهو ما يسبّب تضاربا في القواعد القانونية، ويؤدي إلى ارتباك حول تطبيق القانون الحالي للعدالة الانتقالية، أو القانون الجديد. وتذكّر الهيئة بما أوردته لجنة البندقية في النقطة 49 من رأيها الاستشاري حول مشروع قانون المصالحة حينما أكدت بأن “التلاؤم… هو أساسي لاحترام مبدإ الشرعية وقواعد سيادة القانون من أجل تطبيق العدالة الانتقالية بطريقة تتّسم بالشفافية والنجاعة”.
تهدف المصالحة وفق مفردات قانون العدالة الانتقالية، إلى “تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة والسلم الاجتماعية وبناء دولة القانون وإعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة. ولا تعني المصالحة الإفلات من العقاب وعدم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات” (الفصل 15). ولذلك يهمّ هيئة الحقيقة والكرامة التّأكيد بأنّ مبدأ المصالحة ليس بديلا عن المساءلة، التي هي جزء من مسار متكامل يؤدي الى المصالحة المنشودة.
ودعت الهيئة مؤسسات الدّولة وتحديدا المؤسسات الحكومية والقضائية للقيام بالتزاماتها ضمن مختلف آليات العدالة الانتقالية وذلك تطبيقا للفصل 148 من الدّستور الذي ينصّ بأن “تلتزم الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية”.