تقوم السياسة على جملة من المبادئ او القواعد المتفق عليها بين الفاعلين والناشطين فيها، اثنان من هذه القواعد ان الوقت عنصر محدد في الفعل السياسي وله دلالته، والثاني هو لا مكان للنوايا الطيبة أو السيئة في السياسة فالمجال لا يسع غير الفعل والمنطوق، قاعدتين ان نظر بهما لما تقوم به أحزاب سياسية شريكة في حكومة الشاهد، فالمشهد سيكون ببساطة ، أحزابا تقف في وجه حملة حكومتها على الفساد.
أول الأحزاب كان بلا منازع نداء تونس، الذي اختار بعد عملية انحناء لتجنب العاصفة ان يقف ويعلن صراحة على لسان القيادي به خالد شوكات، عن شكوك تطال الحملة على الفساد والمراد منها، وهو جوهر حوار صحفي اجراه مع «الوطن»، وهي صحيفة أسبوعية تصدر في ولاية كالفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
الحوار استهله شوكات بالإقرار بصعوبة الحكم على جدية حملة الحكومة على الفساد ومدى شفافيتها وابتعادها عن الانتقائية، في انتظار ان تنتهي لإصدار حكم بات، لكن ذلك لم يحل دون ان يعرب شوكات عن جملة من الشكوك غلفها بطرحه لأسئلة منها لماذا تمّ الاعتماد على آلية الطوارئ؟ اذ وفق شوكات فان النواب سنّوا خلال العامين الماضيين تشريعات يمكن الاعتماد عليها في معالجة قضايا الفساد، فلماذا اعتمد رئيس الحكومة على قانون استثنائي يعود إلى ما قبل الدستور الحالي؟
سؤال أعقبه إقرار صريح من شوكات بأنه «لا يمكن اعتبارها إلى الآن حملة مقنعة»، وسبب عدم الاقتناع يكمن في ردود شوكات لاحقا على الأسئلة التي تعلقت بملاحقة نواب بمجلس نواب الشعب بشبهات فساد، ليكشف شوكات أن حركة نداء تونس «تتعرّض لقصف مستمرّ» والحملة الأخيرة على الفساد تحولت إلى حملة في حزب نداء تونس، وهو «ليس مستغربا» وفق قوله الذي ألحقه بـ«الحملة ضدّ نداء تونس وليست ضدّ الفساد».
تشكيك صريح في الحملة ووضعها في خانة الحملة السياسية المغرضة ضد النداء والتشكيك في سياقها ومسارها هو ابرز ما قاله شوكات صراحة في حواره الذي نشر نهاية الاسبوع الفارط، وبذلك يعلن عن وقوف النداء على الطرف المقابل للحكومة في حملتها على الفساد، ويتخذ موقفا دفاعيا قد يتطور لاحقا إلى خطوات تهاجم الحكومة، وهو ما قام به آفاق تونس، الذي يشدد قادته على انهم مع الحرب على الفساد ومع الحكومة، لكن في المقابل يطلقون رصاصهم تجاهها، وفق وصف عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري المشارك في الحكومة.
الرصاص الذي وجهه آفاق تونس، مع افتراض حسن النوايا، استهدف وزيرا في الحكومة وهو المهدي بن غربية الذي اتهمه الحزب بالفساد مستعينا بوثائق قدمها المهدي الرباعي عضو المكتب السياسي، بعد ايام من إعلان رئيس الحزب ياسين إبراهيم عن جملة من الانتقادات للحكومة على نهجها في محاربة الفساد دون ان تحاربه من داخلها.
لخطاب آفاق تداعيات عدة أولها انه ينسف بشكل جليّ مصداقية حكومة الشاهد ان هي صمتت ولم تعلق على التهم التي وجهت لوزيرها او تلك التي وجّهها شوكات، فحزبين في الحكومة تضمن كتلتيهما النيابية اكثر من 60 نائبا، تقفان اليوم على مسافة من الحكومة وتنتقدان حربها على الفساد، في ظل بطء نسق هذه الحرب، سيفقد الحكومة دعم الشارع عاجلا ام اجلا.
لكن الاهم من تداعيات الخطاب على الحملة هو تموقع الحزبين تجاه الحكومة، فهما كمن يعلن فك الارتباط بها تدريجيا ويمهد لذلك بمواقف وتصريحات تشكك في نواياها وعملها، وهم جزء منها، وهذا التطور يتزامن مع تجديد الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل لدعوته الى تحوير وزاري، ما يعنى ان حكومة الشاهد ملزمة بحماية نفسها ان تخرج للعلن وتقدم ردها على ما كيل لها، تجنبا لتدحرج كرة النار تجاه الحقل.