فعلا إنها ثورة وإنها الخطوات الأولى لسلوك الطريق السليم ..لا نقول هذا استباقا لحكم قضائي محتمل أو تشكيك في نزاهة الوزير ..فرياض المؤخر يتمتع بقرينة البراءة كما يضبطها الدستور التونسي في الفصل 27 «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة تكفل له فيها جميع ضمانات الدفاع في أطوار التتبع والمحاكمة» وقرينة البراءة عندنا ليست مجرد تحوط لفظي بل مبدأ دستوري وأخلاقي يجب أن ينظم لا فقط حياتنا العامة بل كل قواعد عيشنا المشترك..
ما حصل يوم أمس هو تتويج لنقلة نوعية في بلادنا يجب أن نحييها وأن نقف عند كل دلالاتها : نائبة في مجلس نواب الشعب (سامية عبو) وجهت تهمة للوزير رياض المؤخر بخصوص عقد إسداء خدمات بين وزارة الشؤون المحلية والسيد منير الفرشيشي.... وفي هذه المرة تحركت النيابة العمومية واستمعت إلى السيدة عبو وبعد التحريات والاطلاع الأول على بعض الوثائق قررت فتح بحث تحقيقي في القطب القضائي المالي ..ولم تراع في الأمر أنها أمام وزير في حالة مباشرة أو غيره ذلك من الاعتبارات التي طالما جعلت من عدالة بلادنا قبل الثورة –وحتى بعدها – عدالة تكيل بمكاييل متعددة.
هذا هو المسار الذي نريد أن نحييه اليوم بدءا من إثارة النائبة سامية عبو وصولا إلى فتح بحث تحقيقي في الغرض..
الآن ستكون هذه القضية تحت أنظار القضاء ونتمنى أن يقول فيها كلمته بكل استقلالية وبكل حرفية وفي وقت معقول لأن «الوقت المعقول» من شروط المحاكمة العادلة كذلك ..والمتهمان في هذه القضية :رياض المؤخر ومنير الفرشيشي بريئان إلى أن تثبت إدانتهما بصفة باتة وقطعية .. ولكن مع هذا المسار القضائي هنالك مسار سياسي أيضا فنحن بدءا نتكلم عن وزير فتح ضده بحث تحقيقي ..والأعراف الديمقراطية تقول بأنه على الوزير الاستقالة فورا لا لكونه مذنبا بل لكي يتمكن من الدفاع عن نفسه دون أن يورط معه الحكومة التي ينتمي إليها ..ثم إذا ما ثبتت براءته يكون بإمكانه العودة إلى المسؤولية الحكومية لو أراد ذلك ولو رأى في ذلك رئيس الحكومة فائدة ما ..
وعلاوة على كل ذلك السيد رياض المؤخر عضو في حكومة تريد أن تجعل من مكافحة الفساد العنوان الأبرز لسياساتها العمومية وهذا عنصر ثان ينبغي أن يعجل بدوره بالاستقالة دون التذرع بقرينة البراءة- وهي حق لكل مواطن – لأننا بذلك نهدم باليد اليسرى ما نحن بصدد محاولة بنائه باليد اليمنى ..
تلك هي قواعد اللعبة الديمقراطية الراقية رغم قسوتها أحيانا ..ولكنها قسوة المقصود منها أن يكون المسؤول السياسي عند مباشرته لخطة عمومية فوق كل الشبهات القضائية والأخلاقية ..