أن نولي الصحّة مقاما مهمّا وبالصحّة ضمان للبقاء حيّا، أن ندفع بالتنميّة وفي البلاد فقر وبطالة، أن نقاوم الفساد وقد أكل الفساد الشجر والزرع...
في نظري، ليست هذه قضايا مهمّة. في نظري، قضيّة تونس الأولى والأهمّ هي التعليم. أمّا التنميّة وقانون المصالحة والدستور وهيئة الحقيقة والكرامة وحريّة القول والمعتقد ومناصرة فلسطين واحياء الدين واللغة، الى غير ذلك من الشؤون الأخرى، فهذه جميعا في نظري ثانويّة.
نعم، أعتقد أنّ الأولويّة الأهمّ هي التعليم وأمّا القضايا الأخرى فأراها غير ذات أهمّيّة، بل تافهة أحيانا. التعليم يا اخوتي هو الأصل في الأشياء، هو الجوهر، هو المؤسّس. بالتعليم ترتقي العقول، ترهف الحواسّ، تتّضح الرؤى، يحلو العيش. تكون الجنّة. أمّا الجهل فهو بؤس دائم ومرض ماسك وتعاسة ضاربة في الدنيا وفي الآخرة. الدنيا والآخرة هما في علاقة متّحدة. فمن كان عيشه في الدنيا ضنكا كانت آخرته ضنكا، لو أدرك المسلمون...
لا يهم ان كان في البلاد قانون جائر، جوع منتشر، تهميش مزمن، تمييز وتعسّف... المهمّ هو بناء تعليم ناهض، عصريّ، مؤسّس. التعليم الناهض هو اشعال لنار الفرد، هو تمكين وتمكّن. بالتعليم الناهض يحصل الادراك والتبيّن، ينشأ الوعي، يتحرّر العزم، يتّسع الأفق ويضيء البصيرة نور لهب...
أعيد فكرتي. أولويّة الأولويّات يا بني أمّتي هو التعليم. التعليم هو حجر الزاويّة، المنقذ من الضلال، من الفقر، ممّا نحن فيه من بؤس، من طامّة كبرى... أمّا الجهل فهو ظلام مظلم وغيبيّة محبطة وغلق وغلوّ وافساد للأرض... ما نرى اليوم حولنا من توتّر لا ينتهي، من تبعثر، من خروقات متعدّدة، من لصوصيّة منتشرة، من سوء عامّ... سببه الجهل.
الكلّ يعلم ما في التعليم من فائدة ونعمة. الكلّ مدرك أنّ الأولويّة الأولى هي كيف السبيل الى انشاء تعليم ناهض للأمّة. لكن، لا احد أو هي قلّة تصرخ في الأرض لتقول ولتنبّه ولتؤكّد أن التعليم هو وحده المنقذ...
كلّ يوم وفي تونس مظاهرات واعتصامات وصخب يجري. كلّ يوم ترى الأحزاب واتحاد الشغل والمنظّمات الأخرى تقول في كلّ أمر وتندّد بكلّ شأن وتصرخ في كلّ وجه... فقط بقي التعليم نسيانا منسيّا. لا أحد يتبيّن، ينزل الى الشوارع ويعيّط عاليّا وجهرا أنّ تعليمنا مفلس وأنّ ما تأتيه المدارس والمعاهد والجامعات لا نفع فيه ولا جدوى... الكلّ على علم بما أصاب التعليم من سوء عميق ومن خراب فلماذا لا أحد ينبّه، لا أحد ينكر ما يجري؟ «لماذا نرفض جميعا في تونس اصلاح المدرسة العموميّة؟» كتب كريشان في افتتاحيّة المغرب...
يا اتحاد الشغل، انت من كان نصيرا لهذه الأمّة، يا أحزاب الحكم والمعارضة، يا منظّمات حقوقيّة ومجتمعيّة، يا رجال التعليم، يا طلبة، يا شعب... أنظروا في التعليم وكيف غدا اليوم مقبرة. أنظروا كيف السبيل الى اخراجه من الورطة. أنزلوا الى الشوارع واصرخوا واعتصموا لننتبه، لندرك الوضع، لنرى، لنفكّر في المسألة...