منزلة بين المنزلتين، فلا هم رفضوا المشروع برمته ولا قبلوه على ما هو عليه.
منذ إعادة طرح ملف قانون المصالحة من جديد في الساحة السياسية تعددت المواقف المعلنة من الأحزاب والمنظمات الوطنية بشأنه، ليكون موقف نداء تونس وفق رئيس كتلته في مجلس نواب الشعب مناصرا للقانون بعد التعديلات التي أجريت عليه من قبل رئاسة الجمهورية وقبل إعادة عرضه على مجلس النواب، التي لم يحدد موعدها بعد.
لكن أحزاب المعارضة بل وحليفة النداء في الحكومة، لم تنتظر إلى أن تتسلم النسخة المعدلة من القانون رسميا، في ظل معطيات عن تحصلها على نسخة بشكل غير رسمي، لتعلن عن مواقفها تباعا، واهم هذه المواقف موقف حركة النهضة التي أعلنت أنها مع المصالحة الوطنية الشاملة وان موقفها لا يقوم على رفض القانون برمته وإنما على أن يعدل ليكون في إطار مصالحة وطنية شاملة.
موقف عبر عنه رفيق عبد السلام القيادي في الحركة، وقوامه أن حركة النهضة لا تشتغل «بنظرية القبول المطلق أو الرفض المطلق» وإنما بنظرية تقوم على الأخذ بالقانون المعروض وتعديله وفق رؤية الحركة التي قال أنها لن تزكي القانون على بياض.
تعديلات قال عبد السلام أنها ستتم بالتوافق بين الكتل البرلمانية في المجلس بهدف جعل القانون متلائما مع العدالة الانتقالية، لكن هذا الموقف يقف على نقيضه موقف عبد اللطيف المكي القيادي في الحركة وعضو مجلس النواب الذي قال ان موقف الحركة بشأن قانون المصالحة هو الموقف السابق القائم على رفض التجاوزات الواردة فيه إضافة لعدم استجابته للشروط اللازمة، القانونية والأخلاقية والثورية.
الرفض يجد طريقه في كلمات المكي التي وصف بها القانون مع التشديد أن موقف الحركة لن يتغير ان ظلت العناصر التي لها عليها مؤاخذات، بل ويذهب بوقف الحركة إلى الإقرار بعدم القبول بمرور قانون يربك الشعب التونسي في وعيه، مع التشديد على أنهم ليسوا ضد المصالحة ولكن عليها أنّ تكون في إطار شروطها الأخلاقية والقانونية والاقتصادية، التي لا يجدها المكي في مشروع القانون الحالي.
لارفض من منطلق أخلاقي وسياسي، هو أيضا موقف أحزاب معارضة ومنها التيار الديمقراطي الذي قال القيادي فيه محمد عبو انه لن يسمح بمرور قانون «التحايل» الذي قال انه لا يهدف الى إعادة عمل الإدارة والموظفين ، بل حماية منظومة الفساد.
جولة جديدة من التحركات
منظومة تقول سمر التليلي، عضو حملة «منيش مسامح» المكلفة بالإعلام، أن مشروع قانون المصالحة يطبع معها عوضا عن تفكيكها، لتعلن ان «حملة منيش مسامح» انطلقت في الاستعدادات لتحركات ميدانية، في إطار حملة بشعار «الروندة الثالثة» في اشارة الى رقم الحملة وهو الثالث ضد القانون، الذي يطالب القائمون على الحملة بسحبه من المجلس لا تعديله.
تعديلات بلغت 20 نقطة وفق سفيان طوبال، لا تعتبرها سمر مهمة فرفضهم للقانون مطلق لا بسبب تجاوزات فيه، فهم يعتبرون القانون «انقلابا على مسار العدالة الانتقالية» ويطبع مع شبكات الفساد عوضا عن كشفها، وهو ما شرعت الحملة في العمل على تجييش الشارع ضده، للضغط على مجلس النواب. ضغط وفق برنامج انطلق بتوزيع مطويات وبيانات واطلاق عريضة على شبكة الانترنت ضد القانون.
تحركات قالت سمر انها انطلقت صغرى لكنها تتجه الى التصعيد تدريجيا لتصل الى الاحتجاج والتظاهر ضده كما حدث في الحملة الاولى والثانية التي التحقت بها احزاب معارضة ومنها الجبهة الشعبية، بهدف الضغط على الاغلبية البرلمانية ومنعها من المصادقة على القانون.
وسائل الضغط تشمل ايضا وفق سمر كشف المراد من تمرير القانون ومخاطره التي من اهمها عدم كشف شبكات الفساد وتفكيكها في ظل أزمة اقتصادية تعيشها البلاد، كما ان تمرير القانون سيحول دون اجراء مصالحة حقيقية، تطوى فيها صفحة الحقبة الماضية وتجاوزاتها بعد المحاسبة وكشف حقيقة التجاوزات .
تجاوزات تقول أنها عديدة في النسخة الجديدة من القانون - التي اطلعت حملة «منيش مسامح» عليه، وان سد ثغرات النسخة الأولى لم يحل دون بقائها ومنها عدم دستورية القانون وجملة من الاخلالات القانونية الأخرى، ولكنها تعتبر ان الخطر ليس في الإخلال القانوني وإنما السياسي والأخلاقي الذي يشرع للتطبيع مع ممارسات النظام السابق.
يبدو ان مسار قانون المصالحة الذي بادرت به رئاسة الجمهورية منذ سنتين، لن يشهد اي تطورات جذرية، فقائمة الرافضين لم تشهد اي نقص وقائمة المساندين ظلت كما هي، فما تتحكم التوازنات والاعتبارات السياسية بمصيره في اروقة مجلس النواب.