بدأت القضية متشعبة وأطوارها تعقدت بحيث نحن نبتعد عن الحقيقة بقدر ما نحن نتقدم في الزمن. وبدون السقوط في النظرة التآمرية للتاريخ هنالك جهود مبذولة لتفكيك وتفتيت القضية. ومن يستطيع اليوم أن يفسر أطوارها من قضية الى قضيتين وغدا ثلاث تتناقلها دوائر الاتهام وقضاة التحقيق. وهذا القاتل قتل وذاك هارب يقال إنه مات، وهذا متّهم في حالة سراح. أخطبوط «كفكائي» نسبة الى فرانز كفكا الذي كتب «المحاكة» وهي قضية تدور في حلقة مفرغة. كل هذا يهدف الى ألا نعرف القاتل الى أن تخرج القضية من التاريخ الى الذاكرة ومن الجريمة الى السينما كما هو الشأن لكندي وفرحات حشاد والمهدي بن بركة. وقتها لا قيمة لمن قتله ولمن أعطى الأمر حتى وان عرفناه اسميا. المهم آنذاك هو التذكّر أي استرجاع الذكرى.
ما دمنا لم نعرف من قتل بلعيد ومن أعطى الأمر وما لم يعتذر المحرضون على قتله وهم بين َضهرا نينا فنحن لم نخرج بعد من التاريخ. وان كان التاريخ لا يزيد عن الاخبار كما كان يقول العلامة ابن خلدون فالتاريخ تاريخان، سرد لما مضى ووصف لما يحدث الآن قبل أن يصبح ماضيا مضى. ويقول بيار نورا أول رواده «تاريخ الحاضر» هو تلفّق الآني قبل أن يغمره الزمن. وهو موضوع «مركز التاريخ الحاضر» في فرنسا منذ 1978. أما الذاكرة فهي عملية تكديس ومحافظة واسترجاع لماض لم يبق منه إلا الصورة.
قد يكون حدثا تاريخيا ثابتا. وقد يكون سردا لأسطورة. فمثلا ينتسب الفراعنة للتاريخ لوجود اثباتات تاريخية بينما ينتسب الرسل إبراهيم وموسى الى الذاكرة لغياب أي عنصر مادي يثبت وجودهما. ومع ذلك تبقى الذاكرة أقوى من التاريخ. ولكنها لا تبالي بالحقيقة.
لقد بدأنا الولوج الى الذاكرة. وإلا فما معنى لساحة عمومية لشكري بلعيد يدشنها رئيس الجمهورية الذي وعد بالكشف عن الحقيقة كما وعد بذلك أرملة نقض. انه ضحك على الذقون. وهذا ما نبه.....