يتردد صدى كلمات ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، «في السياسة ليس هناك عدو دائم او صديق دائم ، هناك مصالح دائمة»، لتشرح كيف بات رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، مقربا من النظام الجزائري الذي بات يستقبل الرجل بمعدل ثلاث مرات سنويا منذ 2014، ويخصص له طائرة خاصة تقله للقاء قادة الجارة الكبرى. على غرار الطائرة الخاصة التي نقلت راشد الغنوشي يوم الأحد الفارط، بعد اقل من 5 ايام على تصريحات عبد الحكيم بلحاج ،رئيس حزب الوطن الليبي، في قناة عربية، حملت في طياتها رسائل صريحة لتونس والجزائر، بقوله أن «إشعال فتيل الحرب في طرابلس سوف يحرق تونس ويمتد إلى الجزائر».
بوتفليقة والغنوشي
زيارة الغنوشي للجزائر جاءت بطلب من رئيسها عبد العزيز بوتفليقة، وفق مصادر متطابقة، أكدت ان اللقاء بينهما كان بحضور مدير الديوان في رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى الرجل القوي في الجزائر، وهي المعطيات الوحيدة التي اعلنها ديوان رئيس الجمهورية الجزائرية، عن مضمون الزيارة « الفجئية » للغنوشي الذي اكد انها مخصصة لمناقشة الأزمة الليبية.
زيارة الغنوشي التي تعتبر الأولى له في سنة 2017، والثالثة عشرة منذ 2011، دامت كما سابقاتها ساعات محدودة، في ظل سياق إقليمي متسارع الوتيرة،وقبل يومين من زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لتونس، حل يوم أمس الثلاثاء، لمناقشة الملف الليبي في ظل مبادرة ثلاثية تونسية جزائرية مصرية، في تطبيق للمقترح التونسي الداعي الى وساطة ثلاثية بين هذه الدول على مستوى وزراء الخارجية بهدف إيجاد حل للأزمة الليبية وإنهاء الانقسام.
اذ كلفت لجنة وزارية تونسية - مصرية - جزائرية بترتيب لقاء بين أبرز الفاعلين في الساحة الليبية ، فائز السرّاج رئيس المجلس الرئاسي و خليفة حفتر قائد الجيش الوطني وعقيلة صالح ، رئيس مجلس النواب (إسلامي) ، الذي استقبله الباجي قائد السبسي الأسبوع الفارط بعد زيارة (رئيس الجمهورية) بيوم إلى الجزائر.
هذه الجهود ثلاثية هدفها تقريب وجهات النظر بين الخصوم في ليبيا، بالاستناد لعلاقات كل دولة مع أطراف الصراع. اذ ان مصر تنزل بثقلها في المباحثات بالاستناد لعلاقتها مع خليفة حفتر، وتونس بالاستناد لموقعها ولاحتضان عدد من الفاعلين السياسيين الليبيين والجزائر بثقلها الإقليمي وتأثيرها في الساحة الليبية التي اختارت ان يكون الغنوشي وسيطا لها مع التيارات الإسلامية الليبية. التي تعتبرها الجزائر مميزة، خاصة مع عبد الحكيم بلحاج الذي تعول على ان يقنعه «الشيخ» بالحوار مع حفتر لإنهاء الصراع بينهما.
الغنوشي وسيط منذ 2014
وساطة كلف بها الغنوشي منذ 2014، ليسوق لفكرة «الوفاق» او كما اعلن في كلماته اثر الزيارة الأخيرة او في نص نشر على صفحته الرسمية في «الفايسبوك»، ان مبدأ «التوافق والوئام الوطني» هو نموذج لحل المشاكل التي تشهدها المنطقة العربية خاصة ليبيا. ليضيف لوسائل إعلام جزائرية اثر اللقاء أن «مبدأ التوافق والوئام الوطني الذي أطفأ الحريق في الجزائر وفي تونس يُعد نموذجاً لحل المشاكل من طريق الحوار وهو السبيل لحل الأزمة الليبية ومشاكل العالم العربي كما هي الحال في سورية واليمن».
مع ثنائه على «الدور الكبير الذي بذله رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في الدفع إلى تحقيق التوافق الوطني في تونس بين الحزبين الرئيسيين وهما نداء تونس والنهضة»، في إشارة الى استقبال بوتفليقة له وللباجي قائد السبسي في 2013 قبل انطلاق الحوار الوطني، عقب اغتيال محمد البراهمي.
زيارة قال عنها القيادي بالحركة سامي الطريفي أنها تمت بالتنسيق مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بالإضافة الى أجهزة الدولة التونسية المعنية، معتبرا ان استنكار البعض لزيارات «الشيخ» الأخيرة يغيب عنه دور الحركة ومشاركتها في الحكم، وان التطورات الأخيرة تبين ان الجزائر تنظر «بارتياح» لدور حركة النهضة في الساحة التونسية ودعمها لرئاسة الجمهورية والحكومة.
هذه التصريحات التي يسوق بها القيادي في الحركة مثله مثل زميله لطفي زيتون او رفيق عبد السلام، لا تخفي حقيقة المشهد او «غبطة» الحركة بدورها في الوساطة وقربها من النظام الجزائري، فالحركة تدرك انها بتقديم «خدمة» فإنها تغنم الكثير. فجهود الحركة في الملف الليبي التي تنطلق من إعادة قراءة له ما بعد التطورات في سنة 2014، والدور الذي كلفت به من قبل النظام الجزائري، تعتبر انها ستحقق من ذلك عدة مكاسب.
مكاسب الحركة
والمكاسب تكمن في رفع التحفظ عن مسكها للحكم بمفردها في السنوات القادمة، اذ تعتبر الحركة ان من أسباب فشلها هو الرفض الإقليمي لها، ومن ذلك رفض النظام الجزائري رغم محاولات التقرب منه في 2011و2012 بزيارات أداها الغنوشي نفسه وحمادي الجبالي بصفته رئيسا للحكومة.
اليوم وبالنجاح في لعب دور الوسيط ستكون الحركة قد قدمت للجارة «معروفا» بنزع فتيل الأزمة عن دول المغرب، كما انها ستبين قدرتها على لعب ادوار إقليمية في المستقبل وتطورها الى حركة سياسية تتحرك بعقلانية وليس من منطلقات إيديولوجية.
مغانم كثير ستجنيها الحركة من دورها كوسيط ليس اقلها تثبيت «شيخها» كفاعل إقليمي رئيسي في المشهد، وهو دور سيجعله في ارتباط مباشر مع صناع القرار الإقليميين والدوليين، علاقات قد تكون جيدة ان قرر الغنوشي تقديم نفسه كمرشح لرئاسة الجمهورية في وقت لاحق. او الدفع بان تكون حركته في سدة الحكم بمفردها أو بحلفاء «طيعين» في المرحلة اللاحقة.