يعلم أن تونس قد خسرت كثيرا خلال هذه السنوات الخمس الأخيرة من التوقف العشوائي للعمل داخل مناجم الحوض المنجمي ومن ثم داخل المجمع الكيميائي أيضا وكل مصانع تحويل الفسفاط..
لقد خسرنا حوالي خمسة مليار دينار أي ما يناهز 4 % من مجموع ميزانية الدولة في كل سنة وأكثر من نقطة نمو سنويا على امتداد كامل هذه الفترة.. وهذه كارثة اقتصادية واجتماعية لا يمكن لتونس أن تتحملها أكثر من هذا الوقت...
ولكن ما معنى أن تتوعد حكومة بتطبيق القانون أمام من يبني جدارا إسمنتيا على السكة الحديدية؟ إن في هذا إقرارا بالضعف والتهاون في تطبيق القانون سابقا...
والآن هل درست الحكومة الوضعية بالوضوح بالكافي وهل هي فعلا قد قررت إنهاء حالة اللاقانون هذه؟
نريد أن نقول التالي: هل الحكومة مستعدة إلى الذهاب إلى الأقصى في فرض القانون داخل وخارج منطقة الحوض المنجمي؟ هل هي مستعدة لإيقاف الذين يمنعون الآلة الإنتاجية من الاشتغال؟ وعندما تتعدد الاعتصامات التضامنية هل ستواصل الحكومة بنفس الصرامة أم ستتراجع؟
هذا هو السؤال المحوري.. إذ لا يحق لأجهزة الدولة أن تدخل في معركة دون ضمان شروط نجاحها وإلا فإن صورة الدولة سوف تتعرض لهزة كبيرة وستتجرأ عليها مجموعات أخرى داخل وخارج منطقة الحوض المنجمي...
إذا هددت الحكومة بتطبيق القانون – وهذه بدعة تونسية لأن القانون يطبق في كل الأحوال ولا يُهدد به – فعليها أن تدرك بأنها قد تدخل في عملية ليّ ذراع وأنها قد لا تجد من يسندها في هذا لا أحزاب سياسية ولا منظمات اجتماعية ولا جمعيات حقوقية ولا حتى وسائل إعلام.. ولكن إن دخلت في هذه العملية فلا بد لها من الوصول إلى منتهاها مهما كانت الاعتراضات والاحتجاجات والانتقادات ما دامت تطبق القانون بحكمة ودون استعمال قوة مفرطة لا تتناسب مع طبيعة الاحتجاج على الميدان..
ولنقلها بصراحة وبوضوح: لو سمحت الحكومة بخروج ولو متر مربع واحد عن سيطرتها وعن نفاذ قوانين الجمهورية فإنه لم يعد من معنى للدولة وللقانون معا...
الدستور والقانون يضمنان حق الإضراب ويحميانه ولكن القانون واضح وصريح: لا يحق لأحد أن يصد عن العمل أيضا أو أن يضر بأملاك عمومية أو خاصة أو أن يعطّل مصالح عمومية أو خاصة.. وللأسف فهذا هو وضع الحوض المنجمي، وغيره، منذ الثورة إلى اليوم...
لا علاقة لما نقوله بالحرب على الإرهاب أو بالوضع الصعب للغاية لاقتصادنا.. ما نقوله هو ما ينبغي أن يكون عليه الوضع دائما في دولة ديمقراطية تُحترم فيها القوانين.. بالطبع قد يأخذ احتجاج اجتماعي أو فئوي بعض مظاهر الصدّ عن العمل أو تعطيل مصالح عمومية.. وليس من الحكمة أن يواجه كل تحرك اجتماعي بقوة الأمن أولا ثم بسلطة القضاء ثانيا ولكن شريطة أن تكون هذه الاستثناءات نادرة جدا وألا تحدث ضررا بالغا بالمجموعة الوطنية.. وهذا بالطبع لا ينطبق بالمرة على وضع الحوض المنجمي نظرا لحجم الخسائر المضرة لا بمنطقة قفصة أو بشركة الفسفاط فقط بل باقتصاد البلاد قاطبة...
ولكن تطبيق القانون لا يعني عدم الإنصات للمشاكل والعمل على إيجاد حلول لها... ولا يعني كذلك التسامح مع الفساد المالي أو الإداري سواء كان ذلك على المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي...
ولقد خضنا كثيرا في المشاكل الهيكلية لسكان ولاية قفصة وخاصة للمعتمديات الأربع للحوض المنجمي: الرديف وأم العرايس والمتلوي والمظيلة...
فهذه المناطق تشكو من مركزة جلّ النمو حول شركة واحدة، شركة فسفاط قفصة ثم إن تردي الحالة البيئية وكذلك المكننة الضرورية لتعصير أداء الشركة وخاصة في الاستخراج وكذلك الغسل والنقل... كل هذا جعل البطالة تتفاقم قبل الثورة وحتى إدماج الآلاف من شباب الجهة بعد الثورة لم ينه المشكلة بل خفّف من وطأتها فقط...
ولكن أزمة بطالة الشباب لا تمس قفصة فقط وأزمة النمو غير الإدماجي تتجاوز الحوض المنجمي وما يقال حول المحسوبية في مناظرات الانتدابات بالشركة الأم وبالشركات التابعة لها هو أيضا مرض تونسي يتطلب فرض الشفافية وضمان حظوظ متساوية لكل المترشحين في المناظرات الوطنية أو الجهوية...
فالمطلوب هو أن ندفع بالإنتاج داخل الحوض المنجمي وخارجه أيضا حتى نضمن موارد إضافية للبلاد وحتى نكون قادرين على حل تدريجي لمعضلة البطالة – وهي معضلة المعضلات في تونس – لا أن نتبع سياسة عدمية شعارها «عليّ وعلى أعدائي».
الحكومة مدعوة لتطبيق عادل ولكن جدّي للقانون وعلى كل مكونات المجتمع التونسي أن تتحمل مسؤوليتها كاملة أيضا لأن الصامت عن الحق شيطان أخرس...