الى السيد رئيس مركز الكنام بالمنزه 5. تونس
أبعث اليكم برسالتي هذه راجيا أن تلقى أسطري هذه صدى لديكم وسعيا محمودا...
ليس مهمّا أن يحصل خلل في موازين الصندوق الوطني للتأمين على المرض (كنام). ليس بالخطر أن يشارف الصندوق على الافلاس وهذه مصاريفه تتفاقم. لمّا تلتقي العزائم، سوف يلقى المتصرّفون الحلّ وسوف تعود للصندوق موازينه... الخطر في نظري هو ما يحصل اليوم في الكنام من خور. الخطر ما أرى فيه من لامبالاة، من سوء تنظيم، من سوء تصرّف. قد نلقى المال لسدّ ما في العجز من ثغرات، لكن وحتّى يمكن التمكّن ويزدهر الصندوق، يجب أولا وفي عجل اعادة النظر في ما يجري في الكنام من انفلات، من تسيّب. القضيّة ليست ماليّة بل هي تنظيميّة. تمسّ التصرّف والعلاقة مع الحريف...
أنا متقاعد ولي مرض مزمن. منذ سنين، لي علاقات متّصلة بالكنام، مركز المنزه الخامس. كلّ شهر، أذهب الى الكنام مرّة، مرّتين أو أكثر أحيانا. كلّ مرّة، أمشي الى الكنام تشدّني ريبة. أحسّ بضيق. أنا لا أحبّ مركز الكنام بالمنزه 5 لما أرى فيه من سوء معاملة، لما ألقى فيه من غلظة ومن تعطيل. مضطرّا، أمشي وفي قلبي غصّة... تيسيرا لحالي، كنت أسأل من حولي هل يعرف أحد أحدا في الكنام، في مركز المنزه 5. تجوّلت بين مكاتب المركز ونظرت في الوجوه علّي أعرف أحدا حتّى يساعدني على قضاء أمري وييسّر شأني. أهديت كتابي "ورقات" لمن أراد قراءته والأخذ بيدي. تكلّمت بلطف وفي عينيّ توسّل وفي صوتي تبجيل وخشية... اعتمدت كل الطرق وفشلت. جرّبت كلّ المناهج وفشلت. مع الكنام، أنا دوما معذّب. أبحث.
مرّة، أتيت الكنام صباحا وقابلت سي بلقاسم وهو الثاني في السلّم. كنت يومها في احباط، في يأس كبير وقد اكتشفت أسبوعها أنّ فيّ سرطانا يضرب. بعد التحيّة اللائقة بمقامه قلت له وفي صوتي تودّد "سيدي، جئت لطلب شهادة في التكفّل ولن يمكنني الترقّب وفيّ، عافاك الله، سرطان خبيث ينهش". سي بلقاسم موظّف مسؤول له ملفّات عدّة وخلفه بشر من المتقاعدين يتوسّل. قال وفي صوته لا حبّ ولا كراهيّة "لا شأن لي بالسرطان ولا بالمرض. يجب الترقّب فالتراتيب يلزمها زمن" وانصرف يلوي وبقيت في المدارج، أتوجّع. اسأل كيف اجراء العمليّة بدون شهادة التكفّل...
من غير الممكن الترقّب وهذا المرض الخبيث يتسلّل. أجريت عمليّة جراحيّة في مصحّة خاصّة. كنت أودّ العلاج في المستشفى ولكنّ المستشفى ممتلئ وتكاليف العمليّة باهضة. أعددت ملفّا كبيرا لاسترجاع بعض ما أنفقت. أودعت الملفّ كاملا، في ابّانه. بقيت أنتظر. من أسبوع لآخر، من شهر لآخر، أمشي الى الكنام بالمنزه 5. في كلّ مرّة آخذ رقما. أنتظر دوري وبعد ساعة أو ساعتين يعلمني العون أن لا جديد ويجب مواصلة الترقّب. مرّت على العمليّة ستّة أشهر. كلّمت في الأمر عديد الاخوة والأخوات ممّن أعرف. ضبطت لقاء مع مدير المركز. استنجدت بكلّ الموظّفين في المركز. طال انتظاري. نفَدَ صبري دون أن يرى ملفّي نورا ولا اشارة. التقيت مجدّدا برئيس المركز ووعدني مثله مثل كلّ الأعوان من قبله بالبحث عن الملفّ وحلّ الاشكاليّة. في يوم آخر، قابلت رئيس المركز الذي دعا سي بلقاسم للبحث عن الملفّ، للنظر. أعطيت أرقامي وهواتفي ككلّ مرّة وعدت الى بيتي دون أمل. بعد أسبوع، قصدت المركز دون جدوى فمشيت في الأسبوع الموالي والذي يليه وفي كلّ مرّة لا ألقى جوابا ولم تعثر المصالح على وثائقي... في الثلاثاء الماضي، شددت عزمي وعدت الى المركز من جديد. بعد انتظار وحديث وجدل، حملوني الى سي بلقاسم وكنت لاقيته ألف مرّة. كان ما كان مع سي بلقاسم. كان هو في غضب لمّا رآني وكنت أنا في غضب لمّا قابلته. لم يجد هو الملفّ ولم ألق أنا عنده ردّا يذكر. صاح كلّ منّا عاليا. مشى هو الى المقهى ومشيت أنا الى سيّارتي...
سيدي الوزير، سيدي المدير العام للكنام، سيدي رئيس المركز بالمنزه 5، أعلم أنّ الكنام تعاني من العجز المالي. أعلم أنّها في خدمة متقاعدين مرضى، أثقلتهم السنون وأقعدهم الزمن. أعلم أنه ليس من اليسير التخاطب مع من كبر سنّه وأنّ كلّ تواصل مع المرضى فيه عناء وجهد بليغ. بالإضافة الى ما في شغلكم من شدّة وما يلزمه من صبر وقابليّة، أعتقد، في ما يبدو، أن في مركز المنزه 5 هناك فوضى تزداد مع السنين. أنا والعديد من المتقاعدين أصبحنا نلتقي أكثر من مرّة في الأسبوع، نترقّب الساعات في مكاتب الكنام، نغضب، نضحك، نشتكي دون أن نلقى حلّا ولا شرحا يقنع... في رأيي، يجب على أعوان الكنام جميعا، على سي بلقاسم ومن معه أن يعلموا أن خدمة كبار السنّ يلزمها صبر وثبات وقدرة خارقة ومن لم يستطع أو نفَد صبره فليغادر المركز، فليشتغل في وظيف آخر.
ملاحظة أخيرة. ان معالجة مئات الآلاف من الملفّات يلزمه تنظيم محكم واعلاميّة متطوّرة وإلى تصرّف حازم... ما أرى في مركز المنزه 5 كلّ يوم من عراك، من صراخ، من ذهاب وعودة، من تسيّب، من ترقّب لدليل على سوء الأحوال وعلى ضرورة الاصلاح الفوريّ...
بالنسبة لي ورغم كل ما بذلت من سعي وحرص وما أدّيت من زيارات متكرّرة ورغم كلّ ما فعله الوسطاء من الداخل والخارج، لم أفلح في فضّ القضّية وعجزت عن اقناع سي بلقاسم ومن معه أن يجب عليهم أن يلقوا حلا، ان يعثروا على ملفّي، أن ينظروا ويرجعوا اليّ بعض ما أنفقت منذ ستّة شهور.
والسلام