ردّ فتح أبواب الجحيم وجعل الجميع مشغولا بالإجابة ماذا نفعل مع العائدين؟ وحسبهم طرح السؤال دون الذهاب بعيدا. ويطرح سؤال من هم هؤلاء؟ وكم عددهم الفعلي؟ ومن منهم سيعود وكيف سيعود؟ وبالأخص ما الذي ينتظرنا بعد «داعش»؟
يبدو أن مستشاري رئيس الجمهورية سيستمرون لأيام أخرى في شرح ما قاله في حوار مع وكالة «فرنس براس» وقناة «اورونيوز» من ان السجون التونسية غير قادرة على استيعاب الإرهابيين إن عادوا من بؤر التوتر، وغيرها من التفاصيل عن استعداد تونس لاستقبال هؤلاء. فالبيان التوضيحي لرئاسة الجمهورية وخروج مستشارين إلى الإعلام طوال الأيام الخمسة الفارطة اقتصر على شرح ما عناه رئيس الجمهورية.
والقصد من كلماته حول عودة التونسيين من بؤر التوتر، هو انه لم يشر إلى العفو او سنّ قانون توبة، وإنما أشار إلى أن الدستور التونسي في الفصل 25 منه يحجر سحب الجنسية عن أي مواطن او منعه من العودة إلى تونس مهما كان الدافع او الجرم المرتكب، وعدم سحب الجنسية ومنع العودة لا يعنيان عدم تنفيذ ما نصّ عليه قانون الإرهاب من عقوبات لمن تورط أو خطط لتنفيذ عمليات إرهابية في تونس او خارجها. وفق الفصل 33 من القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2016 المؤرخ في 07 أوت 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال.
اضطرار رئاسة الجمهورية الى توضيح موقفها جاء بعد الجدل وتواتر صدور البيانات بشأن عودة الإرهابيين إلى تونس. والتشديد على أن السلطات اتخذت «كامل الإجراءات الأمنية والسياسية لتحييد خطر عودة التونسيين من بؤر التوتّر، وفق ما نص عليه قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال».
وتعلن الرئاسة انّ الأرقام الرسمية التي بحوزتها تشير إلى أن حوالي 3000 تونسي متواجدون في سوريا والعراق وينشطون في جماعات إرهابية. هذا الرقم الذي سبق وأعلنه الهادي مجدوب وزير الداخلية التونسي الذي فند الإحصائيات السابقة المتداولة حول عدد التونسيين الذين التحقوا بالجماعات الإرهابية المتشددة مثل «داعش» و»القاعدة».
عدد التونسيين في بؤر التوتر
يقدر رقم التونسيين الناشطين في جماعات ومنظمات إرهابية خارج تونس، بالاستناد الى رقم المنتسبين إلى تنظيم «داعش»ّ الإرهابي في سوريا والعراق، والذي يتراوح بين 2500و3000 شخص، فيما يتغاضى عن بقية بؤر التوتر التي تشمل بالأساس اليمن ومالي وليبيا، والتي يتراوح عدد التونسيين المنتسبين لجماعات إرهابية تنشط فيها بين 2300و2800 شخص. فوفق تقرير البعثة التابع لمفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، المكلفة بمتابعة ملف المرتزقة في بؤر التوتر يقدّر عدد التونسيين الملتحقين بمنظمات إرهابية ببؤر التوتر موزعين على سوريا وليبيا و العراق ومالى واليمن وليبيا منذ 2011 الى غاية 2015 بين 5300 و5800، عاد منهم أكثر من 600 شخص فيما قدّر عدد التونسيين في ليبيا بحوالي 1500 تليها العراق التي يتواجد بها أكثر من 200 تونسي منتسبين لتنظيمات إرهابية وتحل رابعا مالي بتواجد قرابة 60 شخصا واقل منها بعشرة في اليمن الذي قدر عدد التونسيين فيه بـ50 شخصا يقاتلون في صفوف تنظيم القاعدة الإرهابي.
أرقام تتطابق مع ما قدمه معهد واشنطن لدراسة الشرق الأوسط الذي يقدر التونسيين في سوريا بأكثر من 2800 دون احتساب العائدين المقدر عددهم بأكثر من 600 شخص بالإضافة إلى 1500 في ليبيا، دون تقديم عدد المنتسبين لجماعات إرهابية في العراق التي كشفت وثائق سنجار ان عددهم قبل 2007 لا يتجاوز 80 قبل ان يرتفع إلى أكثر من 200 شخص بعد 2011.
هذه التقارير، التي هي ليست الوحيدة، تبين ان خطر العائدين لا يقتصر على اؤلائك الموجودين في سوريا والعراق، وان كانت تطورات الحرب على «داعش» في الشرق الأوسط تفرض هذا التركيز، فالقضاء على الكيان السياسي للإرهابيين سيدفع بأتباعه الى احد الخيارات الثلاثة، القتال إلى النهاية او الهرب إما إلى الدول الأصلية او اختيار منطقة تجميع جديدة او البقاء وإعادة تنظيم الصفوف.
في الحالات الثلاث، فرضت أحداث الحرب والتقدم العسكري الذي يحقق في سوريا والعراق فتح ملف العائدين، الذين تعكف السلطات الرسمية التونسية على وضع فرضيات لكيفية دخولهم للتراب التونسي. لتنحصر التصورات على عودة عبر الموانئ القانونية، مطارات موانئ بحرية بوابات برية. او التسلل عبر الحدود والدخول الى تونس خاصة وان جزء كبير من الناشطين في الجماعات الإرهابية تخلصوا من جوازات سفرهم وقاموا بإتلافها في مشاهد استعراضية وثقت وتم نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي.
العائدون منذ 2012
عودة التونسيين من بؤر التوتر بعد مشاركتهم القتال في صفوف تنظيمات إرهابية تثير الجدل كلّما طرحت في دوائر القرار او في الإعلام التونسي، وتواتر الحديث عنها يقترن بالحديث عن إمكانية سنّ قانون «التوبة» الذي طرح كفكرة لأول مرة في 2013 من قبل رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي.
طرح القانون الذي عنى بالأساس المنتسبين لجماعات إرهابية تنشط في التراب التونسي، سبق بدايات عودة الإرهابيين من سوريا والعراق، فوفق الإحصائيات الرسمية عاد الى تونس منذ 2012 الى غاية جوان 2016 حوالي 560 شخصا التحقوا بالتنظيمات الإرهابية بكل من سوريا والعراق، يقبع حوالي 260 منهم في السجون على خلفية تتبعهم بقانون الإرهاب فيما تم وضع 92 شخصا تحت الإقامة الجبرية. هذه الإحصائيات الرسمية تقدم رقما أقل مما هو مسجل اليوم لدى الأجهزة الأمنية والقضائية التي تشير أرقامها الى أن حوالي 800 إرهابي تونسي عادوا من العراق وسوريا.
هذا الرقم المرجح ان يتضاعف، على ضوء التطورات الجارية في العراق وسوريا، واقتراب تحرير الموصل، عاصمة ما يعرف بالخلافة. يعيد الى أذهان ما حدث في التجربة الأفغانية حينما عاد ما يعرف اصطلاحا بـ«الأفغان العرب» في التسعينات الى بلدانهم وأنشؤوا جماعات وتنظيمات متطرفة دولية، أبرزها تنظيم القاعدة، الذي رفع في التسعينات راية «الجهاد الدولي».
الخوف من تكرار ذلك، يجعل من السلطات التونسية تبحث بكل السبل عن معرفة عدد العائدين وهوياتهم وتضع الفرضيات حول طريق العودة التي لن تكون في الأغلب عبر مسالك رسمية، وان كانت ستكون عبر مسار تضليلي يحول دون ربط العائد بسوريا والعراق.
فيما يظل الهاجس هو عودة العشرات عبر التسلل خلسة الى تونس، وما يعنيه ذلك من انهم سيكونون مجهولين لدى المصالح الامنية، يتمتعون بحرية التنقل والحركة اما لبناء حياة جديدة وفسخ ماضيهم، كما كان الحال مع عدد من العائدين في 2011 من بؤر التوتر الذين نجحوا في الاختفاء.