ما أن ننتهي، أعود وزوجتي مسرعا حتّى لا تختنق الطرقات وتنسدّ بما كان من سيّارات ومن بشر. أكره الطرقات المكتظّة وطرقات العاصمة دوما مكتظّة. في الطريق، صباحا وظهرا وعشيّة، يتدافع التونسيون تدافعا مخجلا. في همجيّة مخزيّة. لا أحد يرى الضوء. لا أحد يحسب لغيره حسابا. كلّ يعتقد أنّه الأوحد وأنّه الأولى وأنّ له الأسبقيّة المطلقة. هي الحرب في الشوارع وعلى كلّ سائق أن ينجو بنفسه، أن يناور، أن يتدبّر... ما كان التونسيون حريصين على الوقت ولا هم مولعون بالشغل... فقط، هي الهمجيّة المكتسبة. فقط هي الأنانيّة المفرطة. وقد زاد في سوء وضع الطرقات ما كان من غياب لرجال الأمن. في الصباح، في العشيّة وفي كلّ يوم، تضيق فيها الشوارع وتغصّ وتتغيّب الشرطة.
في ذاك الصباح وبينما كانت الشوارع في خنق وازدحام لا يوصف، قد تلقى بعض أعوان الأمن. قد تراهم في زاويّة، في ركن. لا يهمّ رجال الأمن ما يجري من اختناق ومن فوضى. تراهم جماعة، كل يدخّن سيجارته بشره. أحدهم يشرب قهوة. كلّ يحكي. في لهو، في ضحك. وبينما كنت أترقّب، في صبر، أنتظر، أنظر في السبل، في التونسيّ هذا وكيف هو يهاجم ويسبّ ويدفع دفعا وفي هذه المرأة وكيف هي تزجّ بسيارتها في التهلكة، تلقى أعوان الأمن جماعة، في حلقة، يقتلون الوقت. يتبادلون كلاما وضحكا ولا يهمّهم ما يجري أمامهم، ومن خلفهم من «حرب»... لا أعلم ما الغاية من تواجد هؤلاء في الطريق، صباحا. لا أدري ما هو دور شرطة المرور؟ لا أدري هل تعلم الشرطة أنها في خدمة المواطن والمواطن، كما أرى، في وضع عصيب، متردّ... لا أعلم لماذا لا يقع تنظيم شرطة المرور حتّى تكون حيث يلزم. لا أدري لماذا لا يكلّف كلّ واحد في مفترق، في طريق بعينه ويكون هو المسؤول عن تيسير السير. فوضى تونس اليوم في فوضى طرقاتها...
أحبّ الرياضة صباحا. أحبّ اللقاء مع سي المنصف وسماعه وهو يقول في كل أمر. أكره نهاية الحصّة. أخاف العود الى الدار وقد امتلأت الشوارع الموصلة سيّارات وبشرا. لمّا أرى رجال الشرطة في ركن، في حديث، لا يمدّون يد العون يشدّني غمّ وأسأل نفسي لماذا أصبحنا في مثل هذا السوء، لماذا أصبح التونسي للتونسيّ نقمة.