عملها وأجهزة رصدها كما أنّ هذا الأداء سيجعل المرشحين الجدد في الانتخابات القادمة يتولون بأنفسهم حصر التوقعات وتقدير نسب النجاح لاسيما وأنّ سلوك الناخبين ما عاد ثابتا ومعقلنا إذ يمكن لأي ناخب/ة أن يغير قراره في آخر لحظة فينقلب داعما للمرشح الذي كان يسخر منه قبل أشهر وينتقد خطاباته وأداءه.
أمّا النتيجة الثانية فترتبط بالمتخيل السياسي ونسق التمثلات. فاختيار أغلب الناخبين لترامب يؤكد مرة أخرى أنّ تمثُل الأمريكيين للرئيس قائم على مدى قدرته على تمكينهم من استرجاع الحلم الأمريكي فما ينتظره هؤلاء من رئيسهم هو أن «يجعل أمريكا عظيمة مجدداً»،وهو الشعار الذي اختاره ترامب لحملته ، ومعنى هذا أنّ ما يحرّك شرائح كبرى من الأمريكيين هو بناء الأنموذج :أمريكا المهيمنة مجددا. وما عاد التزام الرئيس بمنظومة القيم (المساواة، العدالة، الحرية...) مهمّا بالدرجة الأولى وما عاد خطاب ترامب المبني على العنف المبني على الجندر والعنصر والدين والإقصاء والازدراء محرجا للأمريكيين ولا متعارضا مع أخلاقيات العمل السياسي. ولأنّ بناء الدولة القوية يتماهى مع الذكورة المهيمنة فإنّه ما كان بإمكان كلينتون، وهي امرأة، أن تتجاوز السقف الحديدي الرمزي الذي جعلته رسالة محفزة لجميع النساء فهؤلاء بإمكانهن دخول البيت الأبيض من باب الرئاسة.
ولا تتوقف النتائج عند هذا الحد إذ أبانت هذه الحملة الانتخابية التي تحولت إلى «معركة» عن الاستقطاب بين الديمقراطيين والجمهوريين وكذلك بين مختلف الشرائح الاجتماعية ، وهي معركة على أكثر من واجهة : النهوض الاقتصادي، العدالة الاجتماعية ،التوحيد بين مختلف الفئات والشرائح ، السياسة الخارجية، ...وتنم هذه المعركة عن اختلاف التصورات والرؤى والسياسات والمناويل والاستراتيجيات.ومن علامات هذه المعركة أو المنافسة الضارية أنّها نسفت كل البنى التقليدية وأساليب العمل المألوفة وعوضتها ببنى أخرى تبدو أشدّ شراسة. فالتوق إلى الخروج من الأزمات وتحقيق الرخاء الاقتصادي جعل الجماعة لا تولي اعتبارا لقيم الأخوة والصداقة والزمالة والجوار... تضحي بكل شيء في سبيل تحقيق الأمن الاقتصادي الذاتي حتى وإن أجبرها ذلك على مغادرة فضاء الأنسنة ...إنّها العودة إلى خطاب ‘الهويات القاتلة» ...صدق Edward Luttwak حين تنبّأ بأنّ هذه التحولات البنيوية المنبثقة عن الرأسمالية المتوحشة ستوفر مناخا ملائما لعودة الأحزاب الفاشية وانعاش الذاكرة بصور موسوليني وهتلر.
وبالرغم من بروز دوائر الخوف ومشاعر الإحباط والاستياء والخجل فإنّ خطاب ترامب القائم على الشعبوية والاستفزاز وعرض الذات، والضجيج والمراوغة: خطاب صناعة الأعداء والاستئصال والإقصاء و التمييز وكره النساء والتهجير القسري ‹للغرباء الدخلاء› كان له جمهور كبير حتى خارج الولايات المتحدة الأمريكية.ففي مصر رقصت فئة من النساء احتفاء بترامب، وفي تونس غرّد بعض الشبان مرحبين بالرئيس وفي سوريا اطمأن بعضهم على مصير النزاع...
الدرس الذي يخرج به كل من واكب الحملة الانتخابية : أن تكون عنصريا وكارها للنساء ومتحرشا بهن ومستخفا بالقيم ...أسهل بكثير من أن تكون امرأة ...من الهين على المجتمع الأمريكي أن يقبل رجلا بمثل هذه الصفات رئيسا للدولة من أن يفتح الباب أمام مصراعيه أمام النساء حتى يحكمن فأيّ عالم أرعن هذا؟.