بعد حوالي سنة ونصف من إجراءات 25 جويلية، أصبح موقف اتحاد الشغل يدور حول «عدم الرضا» على مساره وفقدان الأمل في إصلاح للوضع الكارثي الذي سببته العشرية السوداء وذلك لعديد الأسباب الموضوعية التي ذكرها أمينه العام والذي أكد ان رفع الدعم لن يمرّ ولن تقبل به المنظمة شأنه شأن قانون مالية لا يقرّ عدالة جبائية حقيقية، كما طالب الطبوبي بإجراء تعديل لحكومة التي رأى انها «بلا رؤية أو برنامج».
من حيث الشكل كانت رسالة الاتحاد العام التونسي للشغل بقدرته على التعبئة والحشد دون أي عناء، واضحة، بتوافد الآلاف من النقابيين والنقابيات إلى قصر المؤتمرات بالعاصمة لإيحاء الذكرى الـ70 لإغتيال الزعيم الوطني والنقابي فرحات حشاد التي يُحييها الاتحاد على وقع وضع كارثي للبلاد وإنتخابات تشريعية لا طعم ولا لون لها، كما وصفها الأمين العام لاتحاد الشغل نور الطبوبي في الكلمة التي ألقاها والتي حمل مضمونها موقف المنظمة من كل ما يحدث في البلاد على كل الأصعدة تقريبا.
حيث إعتبر أمين عام اتحاد الشغل أمام حشود النقابيين والنقابيّات وغيرهم، أن الانتخابات التي ستُجرى في البلاد 17 ديسمبر المقبل، جاءت وليدة دستور غير تشاركي ولا محل إجماع أو موافقة الأغلبية، كما ان الانتخابات بُنيت على قانون مسقط أثبت يوما بعد يوم تضمّنه من ثغرات نبّه لها اتحاد الشغل، ليخلص الطبوبي ان مثل ذلك المسار سيُسفر عن نتائج لا يوقّع أحد حجم ضعفها وما تستبطنه من تفكك وتفتيت.
وفي نفس ذلك المسار أصبحت البلاد مُعطبة ومُقسمة وفاقدة لبوصلة نحو الطريق الصحيح ولا يوجد غير العداء بين مكوّناتها وأفرادها وجماعتها، وفق الطبوبي الذي اعتبر ان الأمل الذي انبثق يوم 25 جويلية بدأ يتلاشي، وهو ما تبعه الاتحاد بالإقتراع والدعوة إلى التجميع والاستماع الى آراء كل الأطياف الممثلة المجتمع غير المتورطة في العشرية السوداء، وفق تعبير الطبوبي الذي أكد ان صوت ومطالب الاتحاد لم تجد أي صدى آنذاك.
حيث تمت مواجهة مقترحات الاتحاد ودعواته إلى استغلال لحظة 25 جويلية للبناء، بالتشويه والتخوين والحملات التي تستهدف الاتحاد باعتباره القوة المؤهلة للتصدي لكل إنحراف وكل توجه نحو الإستبداد، وفق ما ورد في كلمة أمين عام اتحاد الشغل التي كان يقطعها من حين لآخر هُتاف بشعارات من قبيل «إنتخابات مسرحية..» و»الشعب يريد حكومة وطنية..» و»الاتحاد مستقلّ والشغيلة هي الكلّ..»
حكومة دون رؤية وحان وقت التعديل
ليعود بعد ذلك أمين عام اتحاد الشغل إلى نص كلمته ويمرّ إلى توجيه إنتقاداته للحكومة، التي رأى انها «حكومة بلا رؤية وبلا برنامج ويغلب عليها الارتجال والغموض وانعدام الانسجام وتتحرك بنفس آليات الحكومات السابقة من غياب الشفافية وازدواجية الخطاب، واللجوء الى الحلول السهلة والفاشلة»، وفق الطبوبي الذي إعتبر تشبث الحكومة المستميت بالاقتراض الخارجي كسبيل وحيد للخروج من الأزمة خير دليل حسب تقديره على ضيق الأفق وعلى محدودية الإبداع والتصورات لديها.
كما ان حكومة نجلاء بودن تعتمد في سياساتها على ضرب للحوار الاجتماعي وتنكر للتعهدات، وفق الطبوبي الذي أضاف ان التعيينات المتتالية على رأس الجهات وخاصة الولاة والعديد من المؤسسات تخبط الحكومة وتعميم الفشل والارتجال مركزيا وجهويّا وقطاعيّا، ليُطالب أمين عام الاتحاد بوضوح قائلا «آن الأوان لتعديل حكومي لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه
ومن بين المؤشرات التي نبه إليها الاتحاد، وفق أمينه العام، تدني نسبة النمو بشكل غير مسبوق وإرتفاع لنسبة المديونية تُنذر بإنهيار وشيك للمالية العمومية وتوسّع رقعة الفقر ليشمل الطبقة الوسطى وارتفاع نسب البطالة التي لم تُنخفظ أرقامها سوى الهجرة غير النظامية أو النظامية لعشرات الآلاف من الشباب»، منتقدا قبول تونس لترحيل المهاجرين غير النظاميين واستقبالهم خلافا لدول المغرب العربي التي ترفض قطعيّا ذلك.
والبلاد تشهد خلال هذه الفترة، في تقييم المنظمة، ركودا مطلقا للاستمار العمومي وتزايد الاحتكار بالتوازي مع تهاوي القدرة الشرائية بسبب الارتفاع الجنوني للاسعار مما أفقد الإتفاق الأخير للزيادة في الأجور قيمته، بالإضافة إلى فقدان غير مسبوق للمواد الأساسية لارتهانها لدى أباطرة الإحتكار والتهريب، كما ان هناك «رفع للدعم عبر الطرق الملتوية وغير المشروعه»، وفق تعبير نور الدين الطبوبي الذي أكد ان مطلب الاتحاد للحكومة بمده ببرنامج الاصلاحات الذي تقدمت به لصندوق النقد الدولي لم يلقى غير التجاهل والصمت.
وأكد الطبوبي موقف المنظمة الرافض لرفع الدعم عن المواد الاساسية ودعا إلى مراجعة تشاركية لمنظومته، محذرا الحكومة من «اي اجراء يستهدف المواد الاساسية»، وأضاف ان «الاتفاقيات السرية التي ابرمتها مع صندوق النقد الدولي غير ملزمة للاجراء وسيتصدون لها بكل الطرق المشروعة والنضالية»، وفق قول أمين عام الاتحاد الذي صرّح ان هيئة إدارية وطنية ستنعقد قبل موفى السنة الجارية لإتخاذ الخطوات اللازمة ضدّ ما يحدث في تونس على كل الأصعدة.
وعاد إلى تأكيد رئيس الجمهورية في عديد المناسبات، وآخرها أول امس، على عدم التفويت في المؤسسات العمومية، فيما هناك حديث عن قرارات موجعة، وأضاف قائلا «اذا كانت الحكومة لا تُناقش مع صندوق النقد الدولي خوصصة المؤسسات العمومية ورفع الدعم وتجميد الأجور..فما الذي تناقشه ونحن نعرف جميعنا صندوق الند الدولي وشروطه وتوجهاته»، ليتساءل الطبوبي «الحكومة مُعينة من طرف الرئيس بمرسوم..فهل الحكومة في وداي والرئيس في وادي أو ما الأمر..؟»
ليخلص الطبوبي أن ما يحصل ضحك على الذقون ولن تنطلي الحيلة على الاتحاد، في إشارة الى التناقض بين الفعل الحكومي ومفاوضاته مع صندوق النقد الدولي وتصريحات رئيس الدولة.
لن نقبل بقانون مالية..
أمين عام الاتحاد تحدّث في كلمته، عن «تدهور الخدمات العمومية وترديها ومفاقمتها لمعاناة المواطن في التعليم وفي الصحة وفي النقل وفي سائر المرافق العمومية الحياتية، وأكد الطبوبي ان ما ذكره لا يعدو سوى بعض المؤشرات من العديد التي لا يسمح المجال بتعدادها، وأضاف «وهي مؤشرات لمشهد مخيف تعيشه بلادنا اليوم وافرزته عشرية غلب عليها التخبط واللامبالاة وفاقمته سياسة التشبث بالرأي الواحد الذي تكرس اليوم وكنا نأمل خيرا بعد 25 جويلية 2021 بالخروج من النفق وايجاد الحلول لتجاوز فشل العشرية السابقة».
ولكننا المؤشرات الحالية جعل الاتحاد «يفقد الثقة وأصبح اكثر خوفا على البلاد وعلى ما يتربص بها»، وفق الطبوبي الذي أكد ان المسالة الاجتماعية ستكون من اولى اوليات المنظمة، وعلى رأس تلك الأولويّات، حقوق الجهات والقطاعات وتحسين القدرة الشرائية للاجراء ومراجعة الجدول الضريبي، حيث ولن يقبل الاتحاد قانون مالية لا ياخذ مراجعة الجدول الضريبي بعين الاعتبار وقال الطبوبي «75 بالمائة من الجبائية يدفعها الأجراء والموظفين وهذا انتهى والمعركة هي العدالة الجبائية الحقيقية ومحاربة التشغيل الهش والتمسك بحق المفاوضة وتطبيق الاتفاقيات المبرمة وفي مقدمتها كل الاتفاقات في المؤسسات واتفاق 6 فيفري والغاء المنشور عدد 21 الذي واصل تكريس ضرب الحق النقابي...»
لا عودة ولكن المسار لم يعد مقبولا
أمين عام اتحاد الشغل عاد إلى موقف المنظمة من إجراءات 25 جويلية، وقال «لم نخطئ يوم 26 جويلية عندما اعتبرنا ان الحدث خطوة حاسمة على درب تصحيح المسار الديمقراطي واعادة الاعتبار لأهداف ثورة 17 ديسمبر/14 جانفي ولم نخطىء عندما طلبنا ضمانات تمنع اي انحراف (..) ولكن اليوم للأسف نحن غير متفائلون».
أما اليوم أصبح الاتحاد، وفق أمينه العام، يخشى على البلاد من المجهول ولا يستطيع اي كان ان يطمئن المنظمة في ظل استمرار التفرد والتخبط وغياب التشاركية والتفاعل مع القوى السياسية والاجتماعية التقدمية والديمقراطية والوطنية»، كما إستدلّ الطبوبي على مخاوف المنظمة بعدم إصلاح القضاء وعدم تفكيك منظومة الفساد والاحتكار والتهريب، كما لا تزال ملفات التسفير والارهاب والاغتيالات السياسية على حالها دون الكشف عنها ولم ينتهي الإفلات من العقاب ولم ينهض الاقتصاد ولم يستقرّ الوضع الاجتماعي..، وفق ما ورد في كلمة الطبوبي.
ورغم ذلك فـ»الاتحاد كأغلب التونسيين يرفض العودة الى ما قبل 25 جويلية ويرفض اية مقاربة تهدف الى استعادة حكم عبر الاستقواء بالخارج وعبر تزيين حقبة فاشلة وعبر تنصل أصحابها من مسؤولياتهم في ما آلت اليه البلاد وهم في الأصل جديرون بالمحاسبة».
ليستدرك الطبوبي قائلا «لكن في نفس لم نعد نقبل بالمسار الحالي لما اعتراه من غموض وتفرد وما يمكن ان يخبئ في قادم الايام والاشهر من مفاجآت غير سارة ولا مطمئنة على مصير البلاد ومستقبل الأجيال فضلا عن مستقبل الديمقراطية في بلادنا»، وفق أمين عام الاتحاد الذي اعتبر ان بناء الديمقراطية واستكمال مسارها لا يتم بمجرد تطمينات شفوية تخرج علينا من حين الى اخر تؤكد ان الحريات مضمونة (..) ولذا فلن نتردد في الدفاع عن الحقوق والحريات كلفنا ذلك ما كلفنا».
كما انتقد الطبوبي ما رأى فيه محاولات البعض لتكريع القضاء، الذي يمثل إستقراره عاملا مهما في بناء أي ديمقراطية وثقة الدول في تونس، وإخضاعه للتعليمات وأشار الى موقف المنظمة الرافض لما يتعرّض له البعض من القضاة من تنكيل وتجويع وتدمير، وفق الطبوبي الذي أكد انه لا يُمكن تحميل قطاع كامل كقطاع القضاء أفعال وجرم فئة قليلة منهم، وذكر الطبوبي توظيف القضاء ضد النقابيين في بعض المحطات وإنصاف النقابيين من طرف القضاء في محطات أخر كما كان الحال في القضية الاستئنافية التي أقرت شرعية المؤتمر الأخير للمنظمة، وفق تعبيره.
أمين عام اتحاد الشغل خلال إحياء ذكرى اغتيال الشهيد حشّاد: لـم نعد نقبل بالمسار الحالي ولا نسمح بعودة الاستبداد ...
- بقلم مجدي الورفلي
- 10:42 05/12/2022
- 868 عدد المشاهدات
• الحكومة دون رؤية ويجب إجراء تعديل على تركيبتها..