غياب الحكومة عن الجلسة العامة يتسبب في تأجيلها: ما مصير العلاقة بين مجلس نواب الشعب والحكومة؟

كشفت الجلسة العامة المنعقدة يوم أمس بمقر مجلس نواب الشعب عن عمق الهوة والأزمة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية (الحكومة)، حيث تسبب غياب الحكومة في مناقشة ثلاثة مشاريع قوانين في تأجيل الجلسة العامة وهو ما جعل المؤسسة البرلمانية في موقف محرج أمام النواب

وأمام الوزير المكلف بالعلاقة بين مجلس نواب الشعب والحكومة خالد شوكات.
سعى مجلس نواب الشعب إلى التسريع في نسق أعماله وإتمام المصادقة على كافة مشاريع القوانين العالقة وذلك بطلب من الحكومة التي دعت إلى استعجال النظر في تلك المشاريع، إلى جانب ضغط رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي من خلال رسالة اللوم، وهو ما جعل رئاسة المجلس تتخذ قرارا بتمديد فترة العمل من 5 أيام إلى 6 أيام.

لكن يبدو أن هذه المرة قد خرجت الأمور عن سيطرة مجلس نواب الشعب الذي كان جديا في تحسين أدائه، إلا أن الحكومة شاءت أن تطيح بهذا النسق التصاعدي بعد غياب وزرائها عن جلسة يوم أمس المخصصة للمصادقة على ثلاثة مشاريع قوانين، وذلك بعد إتمام المصادقة ليلة أول أمس على مشروع قانون حق النفاذ إلى المعلومة. واعتبر رئيس كتلة الجبهة الشعبية أحمد الصديق في هذا الغرض أن السلطة التنفيذية توجه رسائل فحواها أن العمل البرلماني بطيء في حين أن المجلس صادق على أهم القوانين ويعمل حتى يوم السبت.
وتجدر الإشارة إلى ان الجلسة كان من المنتظر أن تصادق على كل من مشروع قانون يتعلق بالموافقة على عقد التمويل المبرم بتونس في 18 ديسمبر 2015 بين تونس والبنك الاوروبي للاستثمار للمساهمة في تمويل مشروع تعصير الطرقات، وكذلك مشروع قانون أساسي يتعلق بالمصادقة على اتفاقية بين تونس والمملكة المغربية حول التعاون القضائي في المادة الجزائية، أما الثالث فهو أيضا مشروع قانون أساسي يتعلق بالمصادقة على اتفاقية بين تونس والمملكة المغربية حول التعاون القضائي في مجال تسليم المجرمين.

«محاولة لإذلال السلطة التشريعية»
هذه الجلسة والتي تعقد بصفة استثنائية باعتبار أن مجلس نواب الشعب لا يعمل في عطلة نهاية الأسبوع، شهدت عديد التشنجات لأن النواب يرون أنفسهم مرهقين من جلسة أول أمس التي انتهت في ساعة متأخرة ومع ذلك فإن الحكومة بدت غير مبالية حتى أن البعض من النواب وصف هذه الحركة بمحاولة لإذلال السلطة التشريعية.

تدخلات النواب أمام غياب الحكومة، كشفت عن حقيقة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية التي كثيرا ما عرفت انتقادات من هذا الجانب أو ذاك خصوصا في مقابلة الوزراء من أجل نقل مشاكل المواطنين أو جلسات المساءلة والاستماع صلب اللجان القارة والخاصة وفي مناقشة مشاريع القوانين، وهو ما بينه النائب حسونة الناصفي عن الكتلة الحرة قائلا «أقول إن الحكومة لم تجبنا حتى على الأسئلة الشفاهية..». لكن في المقابل، ولأول مرة ينتقد نواب الشعب علاقتهم بالحكومة في جلسة عامة وأمام الرأي العام، حيث اعتبرت النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو أن ما حصل في هذه الجلسة يعتبر أمرا خطيرا باعتبار أن عدم تواجد أعضاء الحكومة المعنيين بمشاريع القوانين المعروضة مهزلة في حق المجلس.

«إهانة لمجلس نواب الشعب»
أغلب النواب من مختلف الكتل البرلمانية عبروا عن استيائهم من عدم التزام الحكومة أمام السلطة التشريعية التي اعتبروها السلطة الأولى، حتى أن البعض فسّر هذه العملية بالمؤامرة، حيث قال النائب عن حركة الشعب سالم لبيض أن هنالك نيّة لإفراغ سلطة المجلس، حتى أن البعض يتحدث عن تنقيح الدستور، كما أن غياب أعضاء الحكومة فيه مسّ من رئاسة المجلس. وتهاطلت الانتقادات من مختلف النواب محذرين الحكومة من خطورة الاستخفاف بالمجلس، أو محاولة ضرب السلطة التشريعية، حتى أن البعض وصفها بـ»الإهانة» كالنائب حسونة الناصفي.

من جهة أخرى، سعى الوزير المكلف بالعلاقة بين مجلس نواب الشعب والحكومة خالد شوكات إلى تهدئة الأوضاع من خلال تعويضه للوزراء الذين كان من المفروض أن يحضروا في مناقشة مشاريع القوانين وهم كل من وزير النقل، ووزير التجهيز. وصرح خالد شوكات أن السلطة الأصلية هي سلطة المجلس ولهذا وجدت وزارة العلاقة مع مجلس نواب الشعب وهي التي تمثل الحكومة، موضحا أن الحكومة قدّرت أن المصادقة على قانون حق النفاذ إلى المعلومة ستتواصل حتى يوم الثلاثاء أو الأربعاء. كما أكد أن قرار تأجيل الجلسة من عدمه يعود بالأساس إلى المجلس إن أراد مواصلة جدول الأعمال أو تأجيل النظر فيه لتاريخ لاحق.

رفض لتعويض خالد شوكات الوزراء المتغيبين
في المقابل، رفض النواب أن يعوض خالد شوكات الوزراء المتغيبين ولعل أبرزهم النائب عن حركة نداء تونس عماد أولاد جبريل الذي أوضح أن لكل وزير اختصاصه ومن غير المعقول ألّا يحضر الوزير المعني أو أن لا يرسل من ينوبه من المختصين.
تصريح خالد شوكات يبدو أنه لم يرق للنواب الذين طالبوا بإلغاء الجلسة العامة وتأجيلها إلى وقت لاحق باعتبار أنه من غير المعقول أن تناقش الجلسة قوانين فيها جوانب فنية بحتة في ظل عدم تواجد حتى إطارات الوزارات المعنية كالنائب عن حركة نداء تونس عبد العزيز القطي. لكن في المقابل، عرفت الجلسة موقفا متوازنا حاول التهدئة حيث أرجعت كتلة حركة النهضة وكتلة آفاق تونس غياب الحكومة عن الجلسة العامة إلى سوء التنسيق بين الحكومة والمجلس، باعتبار أن رئاسة المجلس قررت العمل يوم السبت دون التنسيق مع بقية المعنيين بهذا القرار. وقال رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري أن هذه المسائل يجب ان تناقش في مكتب المجلس وبالتنسيق مع الوزراء.

تأجيل الجلسة العامة
وبعد المد والجزر المتواصل حول هذه العملية والتي يبدو أيضا أنها لم ترق لرئيس مجلس نواب الشعب، أكد محمد الناصر أنه تم إعلام رئاسة الحكومة بالجلسة العامة عن طريق المراسلة والفاكس والهاتف حيث ان ادارة المجلس قامت بما يستوجب، مشيرا إلى أنه بعد التشاور وفي ظل غياب أعضاء الحكومة المعنيين بالقوانين المعروضة على الجلسة تم إقرار رفع الجلسة لتاريخ لاحق.

تأجيل الجلسة العامة وإضاعة الوقت على امتداد الجلسة الصباحية والتي لم تثمر المصادقة على مشاريع القوانين المعروضة والتي لا تخلو من أهمية، سيزيد من عمق الهوة حول حقيقة العلاقة بين مجلس نواب الشعب والحكومة وهو ما ينبئ بجلسة عامة ساخنة قد تنعقد يوم الثلاثاء القادم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115