في أولى جلسات مناقشة مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية: بالرغم من التطمينات بقبول التعديلات، المعارضة تشكك في كفاءة لجـنة التــشريع العام

عرفت أولى جلسات مناقشة مشروع القانون المتعلق بالمصالحة الاقتصادية والمالية صلب لجنة التشريع العام، رفضا شبه جماعي لمضمون المشروع، حيث طالب أعضاء اللجنة بضرورة إدخال التعديلات والتنقيحات التوافقية بما يتلاءم مع الدستور وقانون العدالة الانتقالية. وقد سعى نواب المعارضة

إلى الطعن في أحقية وكفاءة لجنة التشريع العام النظر في مشروع القانون بهدف تعطيله لأكثر وقت ممكن.

انطلقت لجنة التشريع العام صباح يوم أمس، في أولى جلسات النقاش حول مشروع قانون أساسي عدد 49 لسنة 2015 المتعلق بإجراءات خاصّة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي، حيث افتتح الجلسة رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر الذي اعتبر أن قرار اللجنة شجاع لموافقتها على مناقشة مشروع القانون الذي وصفه بالمثير للاهتمام، حيث يهدف إلى تشجيع المستثمرين وتعزيز الاقتصاد التونسي على أن تسعى إلى إجراء التغييرات والتحويرات المناسبة في فصول هذا المشروع. وبيّن محمد الناصر أن الجهة المبادرة منفتحة على كل التعديلات التي ستطرأ على مشروع القانون، مشيرا إلى أنه كانت توجد محاولة لعرض جزء من هذا المشروع في ميزانية 2016، لكن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، رفضت الفصول المتعلقة بالمصالحة المالية وجرائم الصرف.

لجنة التشريع العام غير مؤهلة للنظر في المشروع
في المقابل، لم يقنع تصريح رئيس المجلس نواب الشعب بالرغم من تعهد نواب الشعب بقبول التعديلات ومناقشتها، خصوصا كتلة الجبهة الشعبية التي طالبت بضرورة سحبه خصوصا وأنها قد قدمت مبادرة تشريعية في الغرض. ومباشرة مع انطلاق النقاش العام بخصوص مشروع القانون، شهدت أولى جلسات مناقشة مشروع القانون المتعلق بالمصالحة الوطنية مثلما كان متوقعا خلافا حادا بين ممثلي الكتل البرلمانية في لجنة التشريع العام، خلاف ابرز الرفض القاطع لنواب المعارضة بالخصوص لمشروع القانون وقد حاولوا بشتى الطرق خلال النقاش العام معارضته وإيجاد السبل الكفيلة بتأجيل النظر فيه.

بداية النقاش العام صلب أشغال اللجنة عرف انتقادات موسعة ضد مشروع القانون لكن هذه المرة ليس في مستوى المضمون والفصول، بل على مستوى الشكل. حيث وجد عدد من النواب السبيل في إقناع الجميع بأن لجنة التشريع العام غير قادرة وغير مؤهلة للنظر في مشروع القانون المعروض على معنى الفصل 87 من النظام الداخلي، متسائلين في ذلك عن دوافع وأسباب مكتب المجلس في قراره المتمثل في إحالته على لجنة التشريع العام بالذات وليس لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية. وفي هذا الإطار، اعتبر كل من النواب أحمد الصديق وسامية عبو وسعاد الزوالي أن لجنة التشريع العام غير مؤهلة للنظر في مشروع القانون الحالي، مطالبين بضرورة مراجعة قرار المكتب في أقرب الآجال.

مشروع قانـــــون غير دستوري..
الانتقادات الموجهة ضد مشروع القانون لم تقتصر على ضرب كفاءة اللجنة للنظر في مشروع القانون، بل تم اعتباره غير دستوري نتيجة تعارضه مع قانون العدالة الانتقالية. حيث شهد النقاش العام رفضا قاطعا كذلك للمضمون باعتبار أن فصوله لم تحظ بتوافق بين الكتل البرلمانية في ظل تعارضه مع قانون العدالة الانتقالية حسب ما بينه النائب عن الجبهة الشعبية المنجي الرحوي، الذي أضاف أن مجلس نواب الشعب صادق على خمسة مشاريع قوانين غير دستورية في مناسبة سابقة دون النظر إلى مشروع القانون المعروض. كما أبرز النقاش العام في اللجنة وجود عديد النقائص بالرغم من تفاعل جهة المبادرة بالإيجاب مع التعديلات المنتظر إدخالها على مشروع القانون حسب ما بينته رئيسة كتلة آفاق تونس. كما اعتبر النائب عن كتلة الحرة حسونة الناصفي أن مشروع القانون يعاني من عديد النقائص على غرار ضبابية العديد من المفاهيم، مؤكدا على ضرورة ألا يكون مشروع القانون، متضاربا مع الدستور ومع منظومة العدالة الانتقالية بعد إنهاء النقاش فيه في لجنة التشريع العام وإحالته على الجلسة العامة.

وفي هذا الإطار، قرر رئيس اللجنة شاكر العيادي بطلب من أعضاء اللجنة توجيه مراسلة إلى مكتب المجلس لطلب توضيحات بخصوص أسباب ودوافع تمرير المشروع على لجنة التشريع العام بالذات. لكن في المقابل، أثارت هذه التصريحات استغراب رئيس كتلة حركة نداء تونس سفيان طوبال الذي اعتبر أن مشروع القانون تمت إحالته على أنظار اللجنة وتم وضعه في الروزنامة منذ ما يقارب السنة، ولم يعترض أي نائب على ذلك، متسائلا عن أسباب هذا الرفض خلال هذا التوقيت بالذات.

ضرورة إدخال التعديلات اللازمة
وفي ظل تواصل الخلاف والانتقادات خلال النقاش العام، حاول البعض الآخر خصوصا كتلتي حركتي نداء تونس والنهضة كسب التوافق من خلال الدعوة إلى ضرورة تبني كافة مقترحات التعديل المنتظر تقديمها من قبل النواب حتى يكون مشروع القانون دستوريا بامتياز. وفي هذا الإطار، قال رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري انه يجب العمل على إدخال التنقيحات والتعديلات الضرورية حتى يكون مشروع القانون قابلا للمصادقة في الجلسة العامة، مشددا على ضرورة حوصلة النقاشات التي سبقت عرض المشروع على أنظار اللجنة لإثراء النقاش.

كما دعا عدد من النواب إلى ضرورة التوافق قبل مناقشة مشروع القانون فصلا فصلا صلب لجنة التشريع العام حتى لا يتم تمرير مشروع غير دستوري على أنظار الجلسة العامة، حيث يجب أن يتكون متناغما مع الدستور ومسار العدالة الانتقالية.
من جهة أخرى، وفي محاولة البعض لتهدئة الأجواء من قبل نواب الائتلاف الحاكم حتى لا يتم تعطيل مناقشة مشروع القانون بعد الالتزام بالمصادقة عليه قبل 31 جويلية 2016، اعتبر أعضاء اللجنة كالنائب سمير ديلو أن الكلمة الفصل للجنة التشريع العام في التنقيح بما يتلاءم مع التوافقات بين الكتل البرلمانية والمجتمع المدني حتى يمر مشروع القانون بأغلبية مريحة.

استشارة لجنتي الحقوق والمالية
في المقابل، وفي رده حول هذه الانتقادات الموجهة، عقد رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر ندوة صحفية عقب انتهاء أشغال الجلسة أكد خلالها أن المشروع ورد على مجلس نواب الشعب في جويلية 2015 بمبادرة من رئاسة الجمهورية، حيث أحاله مكتب المجلس على لجنة التشريع العام مع طلب رأي لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية ولجنة المالية والتخطيط والتنمية ، مع الحرص على توسيع الاستشارة حوله والاستماع إلى جميع الأطراف المعنية. وأضاف الناصر بأنه تعذر حينها النظر في هذا المشروع من قبل لجنة التشريع العام التي انكبت على مناقشة جملة من القوانين ذات الأولوية ومنها قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، وقانون المجلس الأعلى للقضاء وقانون المحكمة الدستورية. كما أكّد رئيس المجلس أن لجنة التشريع العام هي اللجنة المختصة بمناقشة مشروع هذا القانون الذي لا يعد صيغة نهائية، وللجنة صلاحية إدخال ما يلزم من تعديلات وتحويرات، ليعرض اثر ذلك على الجلسة العامة لمزيد النقاش والتصويت عليه. هذا ومن المنتظر أن تحدد لجنة التشريع العام جلسات الاستماع بخصوص مشروع القانون مع انتهاء النقاش العام والانطلاق فيها بداية من الأسبوع القادم.

الفصل 87 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الذي يحدد صلاحيات اللجان
لمجلس نواب الشعب 9 لجان قارة تشريعية تتولى بالخصوص دراسة مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة على المجلس قبل إحالتها على الجلسة العامة والنظر في جميع المسائل التي تحال إليها.

وهذه اللجان هي:
1 لجنة التشريع العام: وتختص بالنظر في المشاريع والمقترحات والمسائل المتعلقة بـ: النظم القضائية، القوانين المدنية والتجارية والجزائية، نظام الملكية والحقوق العينية،
وتنظر في كل مشاريع ومقترحات القوانين التي لا تدخل في اختصاص لجنة قارة تشريعية أخرى.
2 لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية، تختص بالنظر في المشاريع والمقترحات والمسائل المتعلقة بالحريات العامة وحقوق الإنسان، العفو التشريعي العام والعدالة الانتقالية، الشؤون الدينية، المجتمع المدني والإعلام، العلاقات الخارجية والتعاون الدولي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115