لذلك حمّله النواب جزءا من مسؤولية حادث وفاة الطبيب والتي غيّرت من ترتيب اولويات النقاشات في الجلسة العامة امس ليتحوّل انتشار فيروس كوفيد 19 في البلاد الى ملف ثانوي نوعا ما.
واصل مجلس نواب الشعب أمس الثلاثاء الجلسات العامّة المخصّصة لمواصلة النظر في مشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الإقتصادي ومشروع قانون المالية لسنة 2021 التي انطلقت السبت الماضي ومن المنتظر ان تتواصل الى حدود 10 ديسمبر الماضي، حيث ناقش البرلمان مشروع ميزانية وزارة الصحة لسنة 2021 بحضور وزير الصحة فوزي مهدي وعدد من اطارات الوزارة.
بطبيعة الحال ادت حادثة وفاة الطبيب المقيم اختصاص جراحة عامة بدر الدين العلوي بالمستشفى الجهوي بجندوبة ليلة اول امس إثر سقوط مصعد المستشفى الوحيد الذي كان في وضع استخدام، الى تغيير أولويات محاور النقاش العام الذي كان من المفترض ان يدور حول الوضع الوبائي بدرجة اولى لكن كانت الحادثة أهم ما تطرّق له النواب من مختلف الكتل البرلمانية وخاصة نواب ولاية جندوبة.
وقد اتهم النواب وزارة الصحة بالتسبب بالحادث من خلال تجاهلها للمطالب والدعوات المتكررة لدعم المستشفى الجهوي بجندوبة بالتجهيزات والموارد البشرية او على الاقل اصلاح الاعطاب في المصاعد التي عاينها وزير الصحة خلال الزيارة التي أداها للمستشفى في أكتوبر الماضي شأنها شأن بقية النقائص المسجلة لكنه لم يتخذ أي اجراءات فعلية لتحسين البنية التحتية المهترئة للمستشفى الجهوي الذي يفتقر إلى مدير.
وطالب عدد من النواب وزير الصحة فوزي مهدي بفتح تحقيق حول الحادثة لتحميل المسؤوليات لكل من قصّر في آداء مهامّه بالتوازي ومطالبة والي الجهة بالاستقالة وتقديم اعتذار رسمي على تجاهل وضعية المستشفى الجهوي بجندوبة، وضعية مترديّة اعتبر النواب أن تنطبق على جل المؤسسات الاستشفاية العمومية بمختلف ولايات الجمهورية خاصة في الجهات مما يستوجب تدخلات عاجلة والتسريع بتفعيل الاجراءات المُتّخذة.
لكن ميزانية وزارة الصحة للسنة المقبلة او ما تبقى منها بعد طرح نفقات التأجيل التي تبلغ نحو 2177 مليون دينار من جملة الـ2885 مليون دينار المخصصة للوزارة من وجهة نظر النواب غير كافية بالمرة و لا يمكن أن توفر الاعتمادات المالية اللازمة لاخراج القطاع الصحي من ازمته وتحسين جودة الخدمات الصحية في ظل ما تستوجبه مواجهة جائجة كوفيد 19 متسائلين عن تاريخ تحصل تونس على لقاحه.
كما اعتبر النواب انه كان من الاسلم الترفيع في ميزانية وزارة الصحة الى حدود 10% باعتبارها وزارة سيادة خاصة خلال انتشار فيروس كوفيد 19، كما رأى بعضهم ان ضعف الميزانية المرصودة متعمّد لمواصلة إضعاف المرفق الصحي العمومي لخدمة مصالح القطاع الخاص.
وزير الصحة يكشف ويتعهّد..
وزير الصحة فوزي مهدي في رده على الكمّ الهائل من الانتقادات والتساؤلات بخصوص الوضعية المتردية للبنية التحتية الصحية التي أدت وفاة الطبيب بالمستشفى الجهوي بجندوبة، عاد الى زيارته للمستشفى في 3 اكتوبر واتخاذه مجموعة من القرارات بالاضافة الى عقد اجتماع يوم 6 اكتوبر حضره مدير البناءات مع وزارة التجهيز للنظر في حالات العطب بالمصاعد وكل النقائص، ليمر الوزير الى التاكيد الى ان المصعد الذي تسبب في وفاة الطبيب هو الوحيد قيد الاستعمال.
ليوضح وزير الصحة أن العطب في المصعد حصل ليلة اول امس رغم الضمان، وهو ما جابهه بقرار فتح تحقيق اداري وجنائي لكشف المسؤولين عن الاخلالات التي أدت إلى حصول هذه الحادثة واتخاذ الاجراءات اللازمة ضدهم بالاضافة الى قرار مضاعفة الميزانية المرصودة للصيانة في كل المستشفيات العمومية وليس فقط المستشفى الجهوي بجندوبة، معتبرا ان قطاع الصحة يدفع ثمن خيارات خاطئة طيلة سنوات خلقت أزمة هيكلية رهيبة.
بالنسبة لدعم جهة جندوبة بالموارد البشرية الصحية من اطارات طبية وشبه طبية، اكد وزير الصحة ان الوزارة رخّصت لانتداب 15 إطار شبه طبي في اطار عقود اسداء خدمات الا انه لم يباشر الى حد اليوم سوى 7 منهم لعملهم بسبب العزوف عن العمل في داخل البلاد شانهم شأن اطارات التسيير وهي إشكالية اعتبرها وزير الصحة فوزي مهدي تنطبق على كل الجهات الداخلية التي اكد توجه الوزارة دعمها بأطباء الاختصاص بدرجة اولى.
وقد تطرق مهدي الى برنامج دعم طب الاختصاص في الجهات ذات الاولوية، وأعلن الوزير عن دعم 26 مستشفى جهوي بأطباء الاختصاص في 10 اختصاصات طبية من أمراض النساء والتوليد وطب الاطفال والجراحة العامة وجراحة العظام والتخدير والانعاش والتصوير الطبي وأمراض القلب والشرايين والانعاش الطبي وأمراض العيون والبيولوجيا، مشيرا الى أن عدد الاطباء المنخرطين في هذا البرنامج بلغ 1005 طبيب.
ليمر الوزير الى الحديث عن الوضع في القطاع الصحي بصفة عامة، معتبرا ان ازمة القطاع تنطلق من الخارطة الصحية التي أصبحت «لا تستجيب الى القواعد العلمية والحاجيات الصحية والمطلبية المشطة التي تغذيها الشعبوية المفرطة»، واعتبر ان البلاد تدفع اليوم ثمن العدد الكبير من المستشفيات دون أن تحقيق دورها الوظيفي في غياب الامكانيات المادية والبشرية مشيرا الى ان الزيادة في عدد المستشفيات عبر بناء الجدران ممكن لكن الاشكال يبقى في التمويلات لاقتناء التجهيزات وتكوين الاطارات الطبية الذي يتطلب سنوات.
وأضاف فوزي مهدي ان القطاع الصحي هو العمود الفقري للدولة التونسية عبر الدور الصحي والاجتماعي والتوعوي الا أن ذلك العمود الفقري يشكو اليوم من امراض ووهن بسبب شح الموارد ونقص التمويل وتضارب المصالح الفئوي والفساد الصغير والكبير، وفق تعبير وزير الصحة الذي اكد انه لم ينتظر مرور ثلاث أشهر على رأس الوزارة ليقوم بالتشخيص وتحمل المسؤولية إثر «الكارثة التي هزته كانسان ووضعته أمام تحد أخلاقي كطبيب ومسؤوليات كوزير، وفق تعبيره».
ليُنهي وزير الصحة تفاعله من مداخلات النواب بالتطرّق لإشكالية الامر 341 الصادر بتاريخ 10 أفريل 2019 والمتعلق بضبط الاطار العام لنظام الدراسة وشروط التحصيل على شهادات الدراسات الطبية المرفوض من طرف جزء كبير من الاطباء خاصة الاطباء العامين، واكد أنه تم تشكيل لجنة للغرض تضم كل الاطراف المتداخلة لدراسة السبل الكفيلة بملاءمة انعكاسات هذا الامر الحكومي على المسار المهني للاطباء العامين.
أرقام:
تبلغ ميزانية وزارة الصحة لسنة 2021 قرابة 2885 مليون دينار اي بزيادة 13.4 % مقارنة بالسنة الحالية لتبلغ الميزانية المرصودة للقطاع الصحي حوالي 5.5 % من مجموع ميزانية الدولة للسنة المقبلة، وستُوجّه نسبة كبيرة من الزيادة المسجلة في ميزانية وزارة الصحة للسنة المقبلة لنفقات التأجير التي ستبلغ حوالي 78.7 % من جملة الـ2885 مليون دينار المخصصة للوزارة بعد تعاقدها مع 300 طبيب و811 اطارا شبه طبي و264 من العملة بعد انتشار فيروس كوفيد 19 في البلاد.
فيما تم تحديد الاعتمادات المالية المرصودة في مشروع ميزانية وزارة الصحة لسنة 2021 الموجهة للاستثمار بحوالي 415 مليون دينار، في حين ان وزارة الصحة حدّدت حاجيّاتها المالية للاستثمار خلال السنة المقبلة بحوالي 690 مليون دينار مما جعل فوزي مهدي يطلب من وزارة المالية رصد اعتمادات اضافية بـ 286 مليون دينار لسد الفرق بين حاجيات الوزارة والاعتمادات التي رصدتها وزارة المالية للاستثمار في القطاع الصحي، وفق ما اكده فوزي مهدي خلال مناقشة ميزانية وزارته في لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية.