الا ان المشيشي وحكومته تحملا مسؤولية خيارات لم يقراّها وقد انطلقت في ايجاد الحلول بداية من مشروع قانون ميزانية الدولة ومشروع قانون المالية لسنة 2021، تلك هي الفكرة التي دارت حولها كلمة المشيشي امام البرلمان أمس.
انطلق مجلس نواب الشعب أمس السبت في عقد جلسات عامة ستتواصل الى حدود 10 ديسمبر المقبل لمناقشة مشروعي قانوني ميزانية الدولة وقانون المالية لسنة 2021، حيث خُصّصت الجلسة العامة المنعقدة امس لعرض بيان رئيس الحكومة هشام حول مشروع ميزانية الدولة والميزان الإقتصادي لسنة 2021 وتقديم لجنة المالية والتخطيط والتنمية لموقفها بخصوص المشروع.
رئيس الحكومة هشام المشيشي الذي ترأس امس الوفد الحكومي، إنطلق في كلمته بتذكير النواب بتعهّداته التي قدّمها خلال جلسة منح الثقة لحكومته والتي تدور حول فكرة التغيير وتطبيق حلول مبتكرة وغير تقليدية، واليوم بعد ثلاثة أشهر من توليه ادارة شؤون البلاد تحمّل المشيشي وحكومته المسؤولية كاملة في مواجهة المشاكل في عديد المجالات والأزمات التي على راسها الجائحة الوبائيّة وتفشي فيروس كوفيد 19 في البلاد.
جائحة واجهتها الدولة بتعزيز الامكانية اللوجيستية والطبية كأحد ركائز استراتيجية عملت حكومة المشيشي وفقها، وهي تقوم على تحقيق معادلة وصفها رئيس الكومة بالـ«صعبة» وتتلخص في المحافظة على صحة المواطنين بالحد من نسق انتقال العدوى من جهة والحفاظ على الحد الأدنى من النشاط الاقتصادي الذي من شأنه أن يدعم قدرة البلاد المادية على مواجهة الجائحة والاعداد الى فترة ما بعد الفيروس.
المشيشي مستعد لتحمّل المسؤولية
الوضع الصحي المتردّي، وفق رئيس الحكومة هشام المشيشي ليس الأزمة الوحيدة التي تواجهها بلادنا، فالوضع المالي والاقتصادي والتنموي والاجتماعي وحتى إدارة الانتقال الديمقراطي كلها أزمات وصفها المشيشي بـ»المتراكمة» من الوضع الاقتصادي الصعب ومن ورائه الوضع الاجتماعي المتأزّم الذي عمّقته الأزمة الصحيّة الا انه اساسا نتاج لتعطل النمو وارتفاع البطالة ومزيد انخرام المالية العمومية .
ليمّرّ المشيشي الى التاكيد على أنه وحكومته غير مسؤولين على ما بلغته البلاد من تازم، فبعد تذكيره انه لم يتولّ السلطة إلا منذ 3 أشهر اعتبر الوضع العصيّ الذي تعيشه البلاد نتاج سياسيات وخيارات متراكمة غابت عنها الإرادة الواضحة للقطع مع «التداين اللامسؤول والشعبوية المفرطة وتعطل جل محركات التنمية طيلة السنوات المنقضية»، وفق تعبيره.
الا ان اشارة المشيشي الى انه لا يتحمّل وحكومته مسؤولية الوضع تبعه تاكيده انه سيتحمل نتائج «السياسات غير الموفقة وإصلاح تبعاتها»، فمشروع قانون المالية لسنة 2021 المعروض على المجلس هو مرآة او صورة مرقّمة لتبعات السياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة على تونس وانعكاساتها ، ليؤكّد المشيشي انه انطلق في إيجاد حلول للوضع الصعب عبر مشروع قانون المالية للسنة المقبلة.
فالمشيشي وصف مشروع قانون المالية لسنة 2021 بقانون المسؤولية والجرأة والصراحة والحقيقة، رغم انه من الممكن ان لا يحظى بموافقة كل الاطراف في البرلمان ليعود المشيشي الى الحديث عن سنة 2020 «الكارثية» على كل دول العالم بما فيها اعتى الاقتصاديات ليكون من الطبيعي الوضع في تونس اكثر تعقيدا بالنظر الى التراكمات التي أدت الى الوضعية المالية التي تعيشها البلاد حتى قبل أزمة الكورونا.
تشخيص الوضع والتوقّعات ومحاور الحلول
وضعيّة متردية وجدتها حكومة المشيشي ذكر هو ذاته ابرز تمظهراتها في نسبة التداين القياسية والمؤشرات التنموية التي بلغت أدنى درجاتها وغيرها من المؤشرات السلبية على رأسها نسبة نمو سلبية باكثر 7 % في سنة 2020 وهي نسبة لم تسجلها الدولة التونسية العصرية منذ تأسيسها، لكن ميزانية الدولة للسنة المقبلة وقانون المالية سيكون بداية التغيير خاصة انها صيغت على أكبر قدر من الواقعية خلافا لما يؤكده عدد من اعضاء لجنة المالية من بنائها على تفاؤل كبير او مبالغ فيه.
ليمرّ المشيشي الى ما وصفه بالتشخيص الحقيقي للضعية المالية في البلاد والذي لا تجدي الحكومة اي حرج في تقديمه بداية من الخسائر التي تكبدتها تونس خلال سنة 2020 والناتجة عن تعطل محركات النمو وتعطل الإنتاج في العديد من القطاعات كالصناعة والسياحة والنقل وأيضا تراجع الطلب الخارجي مما اسفر عن تراجع كبير على مستوى تعبئة الموارد الذاتية للدولة بحوالي 5،6 مليار دينار وارتفعت النفقات بحوالي 1،1 مليار دينار وهو ما أدى الى ارتفاع في نسبة العجز ليصل الى 11.4 % من الناتج الداخلي الخام أي ما يعادل 12.6 مليار دينار مع ارتفاع في نسبة البطالة الى حدود 16.2 % .
ليؤكّد المشيشي على أن قانون مالية السنة المقبلة يهدف الى استرجاع الثقة وإيقاف نزيف المالية العمومية ودعم الاستثمار ، إذ ان سنة 2021 في تقدير رئيس الحكومة تكتسي طابعا خاصا جراء تواصل مخلفات الأزمة وارتفاع منسوب الشكّ بخصوص الآفاق الاقتصادية العالمية رغم توقع استرجاع تدريجي للنشاط الاقتصادي العالمي خلال سنة 2021 وتحقيق انتعاشة طفيفة للنمو الاقتصادي بعد الانكماش الحاد المسجل هذه السنة.
ذلك الجانب المتفائل بخصوص انتعاشة الاقتصاد العالمي جعل الحكومة تعتمد نسبة نمو بـ 4 % كفرضية للإعداد لميزانية 2021 وسعر برميل النفط ب 45 دولار مع التوجه للتحكم في النفقات وترشيدها عبر تقليص نفقات الميزانية في مشروع القانون بـ 1.6 %، كما ستقوم الحكومة بالتدقيق في المؤسسات العمومية ونشر التقارير بكل شفافية وستلائم سياستها في علاقة بالموارد البشرية للمحافظة على الكفاءات.
محاور الاصلاحات
مسؤولية الحكومة في اصلاح الوضع وفق رئيسها تحتم عليها كذلك اصلاح منظومة الدعم عبر توجيهه لمستحقيه في إطار منظومة اصلاح شاملة أصبح من الممكن التسريع فيها اعتمادا على ما تم تحقيقه في مجال الرقمنة ، كما ستعمل الحكومة على إيقاف نزيف الميزانية بتعبئة موارد الدولة واستيعاب الاقتصاد الموازي صلب الاقتصاد المهيكل بطريقة سلسة بالتوازي مع مواصلة الإصلاح الجبائي وإصلاح الإدارة والتشجيع على الادخار والاستثمار والتصدي للتهرب الجبائي وترشيد تداول الأموال نقدا.
ليطرح المشيشي بعض الامثلة على توجه الحكومة نحو الاصلاحات التي تحدّث عنها، وتتمثل بعض الخطوات العملية لهذا التمشي في تعزيز موارد الميزانية والتي ستعمل الحكومة على الترفيع فيها بنسبة 9.2 % وذلك من خلال تطوير الموارد الجبائية بنسبة 12.6 % والذي سيصاحبه «شنّ حرب حقيقية ودون هوادة على التهرب الضريبي بمختلف أشكاله وبتبسيط وتوحيد نسب الضريبة على الشركات وضبطها في حدود 18 % هذا بالإضافة الى ترشيد الامتيازات الجبائية والتي سيكون منحها مشروطا بالتزام المستفيدين بإعادة استثمار الأرباح في الشركات قصد خلق ديناميكية اقتصادية ناجع»، وفق المشيشي.
وفي سياق طرح ما ستقوم به الحكومة لمجابهة الوضع اشار المشيشي الى ملف وصفه بالمهمّ وهو ما تصطدم به الدولة خلال تنفيذ المشاريع المبرمجة من عوائق تحول دون تنفيذها، وتلك العوائق كثيرة ولكن ابرزها بالنسبة للمشيشي تتمثل في التعطيلات الإدارية والعقارية والاجتماعية وحتى الجهوية أحيانا بنقص أو غياب التنسيق بين المتدخلين وبسوء الحوكمة مما يجعل الدولة مطالبة برفع كل العوائق الإدارية والبيروقراطية.
وخلٌص رئيس الحكومة الى ان البدايات صعبة وهو منطق لا يُمكم لحكومته ان تحيد عنه لكنها مرت بعد 3 اشهر فقط الى إيجاد الحلول وهي عازمة على المواصلة لتحقيق التنمية خاصة الجهوية التي انتجت المطالبة بها حراكا اجتماعيّا واجهته الحكومة بالابتعاد عن المنطق الامني وتكريس الحوار والذي ستواصل في نهجه بالتنسيق مع مختلف الهياكل المركزية والجهوية والمحلية وبالتعاون مع المنظمات الوطني.
وأنهي المشيشي خطابه في نفس نهج ما صدر عن رئيس البرلمان راشد الغنوشي خلال افتتاحه الجلسة العامة، حيث ذكر المشيشي ان الحكومة تساند حوارا اقتصاديا واجتماعيا حول قانون المالية ومخطط التنمية وهي منفتحة على كل مبادرات الحوار البناءة وستكون عنصرا فاعلا فيها.