لم يعد الوضع المالي والاقتصادي في البلاد محتملا ولا مجال لتأجيل الاصلاحات الكبرى وذلك وفق تقييم محافظ البنك المركزي الذي قدم خلال جلسة حوار في البرلمان توصيفا للوضع في تونس والذي كانت من أهم مظاهر ترديه عجز مالي «كبير» في الميزانية التكميلية لسنة 2020 وفق توصيف العباسي الذي اكد ان البنك سيعمل على التقليص فيه مع وزارة المالية قبل تمويل خزينة الدولة لمساعدتها على سدّ ما سيتبقى من عجز بعد التقليص فيه.
عقد مجلس نواب الشعب أمس الخميس جلسة عامة للحوار مع محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي بخصوص الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد واشكالية تمويل البنك لخزينة الدولة لتعبئة موارد مالية لسدّ العجز المالي في إطار مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020، جلسة عامة حوارية انطلقت بتقديم محافظ البنك المركزي لتوضيحات بخصوص الوضع المالي والاقتصادي في البلاد.
وقد انطلق العباسي بالحديث عن إنعكاسات الجائحة الوبائية بالتأكيد على أن الناتج المحلي الاجمالي لتونس سيكون سلبيا لاول مرة منذ سنة 1962 وتوقّع نسبة نموّ سلبية في حدود 7.2 % مع نهاية سنة 2020، نسبة نموّ سلبية لكنها في تقدير محافظ البنك المركزي ممتازة في حال استقرت في النسبة المتوقّعة نظرا للظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد بكل المقاييس نظرا للأزمة غير المسبوقة التي تعيشها، وفق تعبيره.
واعتبر محافظ البنك المركزي أن نسبة التضخم تتراجع تدريجيّا لتبلغ حاليّا حوالي 5.4 % مع توقّع ان تستقرّ في نهاية السنة في نسبة 5.7 % بعد ان كانت سنة 2018 في حدود 7 %، ليواصل العباسي الحديث عن بعض إيجابيّات الازمة والمتمثلة في تراجع سعر النفط العالمي والذي توقعته تونس بـ 60 دولار للبرميل لكن سعره كان في حدود 40 دولار مما مكّن من التحكم في العجز الطاقي الذي كان منتظرا أن يقلص حقل نوارة منه بأكثر من 30 %.
في نفس سياق العجز الطاقي دعا العباسي الى ايجاد حلول لقطاع الفسفاط ومشاكل قطاع النفط ان الاشكاليات التي يعيشانها منعت حصول تونس على عائدات هامة من انتاج النفط والفسفاط خلال السنة الحالية مما عمّق الأزمة التي زاد من حدتها تراجع مداخيل السياحة خاصة من دول المجاورة وتحديدا الجزائر وليبيا مما اثر مباشرة على وضعية آلاف العائلات التونسية محذرا من ارتفاع نسبة البطالة.
وقد صنّف العباسي التداين كإشكال كبير في تونس خاصة انه دين سلبي موجه للاستهلاك وخلاص الاجور وليس موجها للاستثمار وخلق الثروة، حيث أن نسبة استهلاك الدين الموجه للاستثمار لا تتجاوز ال 10 % فيما يُمكن ان تتجاوز نسبة الدين 90 % من الناتج الداخلي الخام.
هذه الاشكالية دفعت البرلمان لعقد جلسة حوار مع محافظ البنك المركزي تتمثّل في موقف البنك من طلب الحكومة تمويل العجز المالي في اطار مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020، وقد انطلق العباسي في سياق حديثه عن الاشكال بالتاكيد على أن البنك المركزي لا يقوم بتمويل خزينة الدولة منذ سنة 2006 ومما يجعل طرح قضية استقلالية البنك المركزي توجيه مغلوط للمشكل الحقيقيّ.
وقد اعتبر العباسي انه لا يُمكن تحميل البنك المركزي المسؤولية في وقت لازالت مؤسسات الفسفاط والنفط وعدد من المؤسسات الاخرى مغلقة بسبب الاعتصامات، وعبّر عن استعداد البنك المركزي لمساعدة الدولة في تعبئة الموارد المالية لسدّ العجز المالي لكن بشرط تقديم طلب رسمي يحدد المسؤوليات ويعطي بعدا قانونيا لعمل البنك المركزي في تمويل الميزانية خاصة ان جوهر عمل البنك المركزي هو التحكّم في التضخم ودعم الاستقرار المالي.
وقابل استعداد البنك المركزي لدعم الدولة في محاولات تعبئة خزينتها بحوالي 10.3 مليار دينار في عضون الشهرين المتبقّين في السنة، توضيح من طرف العباسي حول مخاطر ضخ الأموال في تلك الفترة الوجيزة حيث ستكون له تداعيات سلبية على التضخم مما سيؤثر على القدرة الشرائية للتونسيين وخصوصا الفئات الأكثر فقرا منهم والتي ستتحمّل الجزء الاكبر من تبعات ضخّ اموال دون ان يقابلها انتاج.
مطالبة بتمويل الخزينة
وتطرق النواب لعديد الاشكاليات من خلال مداخلاتهم وتساؤلاتهم خلال الجلسة العامة للحوار مع محافظ البنك المركزي، حيث اعتبر عدد من النواب ان السياسة النقدية للبنك المركزي كانت ناجعة خاصة منذ ظهور ازمة كوفيد-19 مما ساهم في الحد من التضخم لكن في المقابل انتقدوا سكوت البنك المركزي على تضاعف الدين العمومي عوض التنبيه إلى مخاطر السياسات الخاطئة التي تؤدي الى ارتفاع الدين العمومي.
وقد انتقد عدد من النواب الترفيع في نسبة الفائدة المديرية من طرف البنك المركزي التونسي مما أدى إلى ارتفاع سعر نسبة الفائدة التي توظفها البنوك على القروض، ودعوا العباسي إلى التخفيض في نسبة الفائدة المديرية لتخفيف عبء القروض الاستهلاكية والموجهة للاستثمار. كما انتقد بعض النواب تعاطي بعض البنوك مع منشور البنك المركزي في ما يخص تأجيل دفع القروض خلال فترة الحجر الصحي الشامل.
أما ما يتعلّق باشكالية دعم البنك المركزي للدولة لسد العجز المالي لسنة 2020، فقد طالب عدد من النواب العباسي بالتدخّل للتقليص من حدة الأزمة الحالية التي عمّقها غياب التنسيق بين الحكومة والبنك المركزي قبل التقدّم بمشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020 وتوسيع دائرة تدخل البنك المركزي للتنسيق اكثر بين السياسة النقدية والسياسة الإقتصادية للدولة لضمان الاستقرار المالي.
كما طالب عدد آخر من النواب بتعديل الفصل 25 من القانون الاساسي للبنك المركزي في اتجاه فسح المجال امام امكانية تمويل خزينة الدولة من طرف البنك المركزي باعتبار ان الفصل ينص في شكله الحالي على انه «لا يمكن للبنك المركزي حاليا أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو أن يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة».
البنك سيتحمل المسؤولية وسيموّل
في تفاعله مع مداخلات النواب اكد محافظ البنك المركزي انه خلافا لما يُتداول فالقطاع البنكي يساند الاقتصاد حيث تحصلت 90 % من المؤسسات التي طلبت قروضا على تمويلات من طرف البنك، لكن الاشكال التي يوجهه الاقتصاد الوطني من وجهة نظر محافظ البنك المركزي يتمثّل في عدم وضوح الرؤية التي انتجته التجاذبات السياسية وعدم الاستقرار السياسي والذي دفع المستثمر التونسي والأجنبي إلى العزوف عن الاستثمار في تونس.
كما عاد العباسي الى مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020، وانتقد عدم القدرة على تمويل الميزانية لكنه في المقابل أكد على أن تونس لن تُفلس فما حصل من اشكال سببه عدم التنسيق مع البنك المركزي والتقدّم بمشروع قانون مالية تعديلي يتضمن عجزا كبيرا في الميزانية لسنة 2020 وهو ما سيعمل البنك المركزي على تعديله بالتنسيق مع وزارة المالية كما اكد العباسي ان الحلول موجودة وسيتحمّل البنك المركزي المسؤولية وسيموّل ميزانية الدولة.