واصلت لجنة التوافقات أشغالها بخصوص النظر في تنقيحات القانون الانتخابي، من اجل الحسم في أكبر نقطة خلافية تتعلق أساسا بالترفيع في نسبة العتبة من 3 % إلى 5 %، إلا أن الفرقاء السياسيين لم يتمكنوا من التوصل إلى أي اتفاق ليكون التصويت الفيصل في الجلسة العامة. الخلافات بدورها تواصلت بخصوص مشروع القانون المتعلق بمحاضن الأطفال.
جلسة التوافقات تواصلت على امتداد اليوم، بعد فشل الجلسة المنعقدة مساء أول أمس في مناقشة مفهوم الحاصل الانتخابي وكيفية احتسابه والعتبة الانتخابية. النقاط الخلافية تتمثل أساسا في تحديد نسبة العتبة الانتخابية وفي كيفية احتساب الحاصل الانتخابي، حيث ترفض المعارضة ممثلة في الجبهة الشعبية والديمقراطية والنواب غير المنتمين وبصفة أقل كتلة الولاء للوطن والحرة لمشروع تونس، مقترح الترفيع في العتبة، مقابل مساندة كتل حركة النهضة والائتلاف الوطني وبصفة أقل كتلة حركة نداء تونس.
وبالرغم من الحديث عن وجود توافق نسبي حول الإبقاء على عتبة 3 %، إلا أنه النقاش انحصر بالأساس حول مقترح تقدمت به الكتلة الديمقراطية في كيفية احتساب أصوات الأحزاب التي تحصّلت على أقل من 3 %. كما تجدد الخلاف خلال جلسة يوم أمس بخصوص تنقيح الفصل 3 من القانون الانتخابي والمتعلق بتشريك المناشدين للنظام السابق في مكاتب الاقتراع والفرز من عدمه، حيث هدد كل من رئيسي كتلة حركة نداء تونس والحرة لمشروع تونس سفيان طوبال وحسونة الناصفي بالانسحاب من التوافقات وعدم التصويت لفائدة التنقيحات في حالة منع التجمعيين السابقين من المشاركة في مختلف مراحل العملية الانتخابية.
ترحيل الخلافات إلى الجلسة العامة
ومع انسداد أفق التواصل أو بوادر الاتفاق، بعد جلستين متتاليتين تم ترحيل النقاط الخلافية إلى الجلسة العامة ليكون التصويت هو الفيصل. وقال رئيس لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والانتخابية شاكر العيادي أن هناك شبه اتفاق على إقرار عتبة انتخابية بـ 3 %مع تسجيل تباين في الآراء، مضيفا أنه تم ترحيل كل النقاط الخلافية إلى الجلسة العامة. وحسب العيادي فإن النقاط الخلافية التي ستتم مناقشتها في الجلسة العامة المنتظر عقدها صباح اليوم تتعلق بالأساس بالتمويل والعتبة والحاصل الانتخابي وكيفية تحديد مفهومه. الفصل المتعلق بالعتبة من المنتظر أن يشهد عديد مقترحات التعديل المقدمة من قبل الكتل البرلمانية، باعتبار أن هناك من يريد أن يحتسب نسبة 3 % على أن تحتسب الأوراق البيضاء مع احتساب القائمات التي لم تتحصل على عتبة 3 % في الحاصل الانتخابي بصفة عامة، فيما يرى البعض الآخر أن الحاصل الانتخابي يجب أن يكون مجموع الأصوات المتحصل عليها على مجموع المقاعد وذلك دون اعتبار القائمات البيضاء والقائمات التي تحصلت على دون 3 %.
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع تنقيح القانون الانتخابي اضاف فقرة ثالثة للفصل 110، تنص على أنه «لا تحتسب الأوراق البيضاء والأصوات الراجعة للقائمات التي تحصلت على أقل من 5% من الأصوات المصرح بها على مستوى الدائرة في احتساب الحاصل الانتخابي». كما أن تقرير شرح أسباب مشروع قانون تنقيح واتمام القانون الانتخابي، يؤكد أن «اقتراح مستوى عتبة 5% يشمل كلا من مسألتي الحاصل الانتخابي والتمويل العمومي للمرشحين في الانتخابات التشريعية».
المصادقة على اتفاقيتين للنقل الجوي
وبالعودة إلى أشغال الجلسة العامة، فقد ناقش نواب الشعب مشروع قانون أساسي يتعلق بالموافقة على اتفاق النقل الجوي المبرم في 14 ديسمبر 2017 بين حكومة الجمهورية التونسية وحكومة جمهورية صربيا الذي تمت المصادقة عليه بـ123 نعم 03 احتفاظ ودون رفض، وأيضا مشروع قانون أساسي يتعلق بالموافقة على اتفاق متعلق بالنقل الجوي بين حكومة الجمهورية التونسية وحكومة جمهورية البنين تمت المصادقة عليه بـ 126 نعم 02 احتفاظ ودون رفض.
وتتضمن الاتفاقيتان عديد البنود التي تهم الحقوق المتعلقة بالخدمات الجوية المنظمة كحق العبور وحق الهبوط وغيرها والحق في تعيين مؤسسات نقل جوي لتشغيل الخطوط الجوية واستثمار الخدمات المتفق عليها والحق في إلغاء وسحب ووقف تراخيص التشغيل أو الرخص التقنية الممنوحة لهذه المؤسسات. كما تتعرض الاتفاقيتان لعديد الجوانب الإجرائية خاصة منها المرتبطة بالتزام بسريان القوانين والأنظمة على المؤسسات المعنية وتحديد تعريفات النقل الجوي وشروط عرضها وتطبيقها وإجراءات الإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية وتحويل فائض الإيرادات على المصاريف. كما تم التنصيص على كيفية تعديل الاتفاقيتين أو ملحقهما ودخول هذه التعديلات حيز التطبيق وشروط إنهاء العمل بالاتفاقيتين ودخولهما حيز التنفيذ. النقاش العام بين نواب الشعب تطرق بالأساس إلى الإشكاليات والوضعية المالية الصعبة التي تعيشها الناقلة الوطنية في السنوات الأخيرة إضافة إلى سوء التصرف في الموارد والتأخير الحاصل في مواعيد الرحلات الذي أثر سلبيا على مكانة الشركة. كما تساءل البعض الآخر عن مدى جدوى مثل هذه الاتفاقيات التي تبرمها الخطوط التونسية وكيفية سعيها للانفتاح على السوق الإفريقية في ظل تقادم أسطولها وعدم قدرتها على منافسة الشركات العالمية الأخرى.
من جهته، قال كاتب الدولة للنقل عادل الجربوعي في رده على تساؤلات النواب أنه من المنتظر إيجاد مخطط لإعادة إصلاح شركة الخطوط التونسية والصيغ المثلى لإنقاذها وتحسين مردوديتها إلى جانب النظر في حل ملف شركة «سيفاكس». وأعلن الجربوعي عن انطلاق الخط الجوي الرابط بين تونس والخرطوم بداية من صائفة 2019 وذلك من قبل شركة سودانية بالتعاون مع الخطوط التونسية مقرا بالصعوبات التي واجهتها الحكومة للقيام بالتحويلات المالية من وإلى السودان لتشغيل وتأمين هذا الربط الجوي.
اتفاقية في مجال النقل البحري
وفي الجلسة المسائية، ناقشت الجلسة العامة مشروع قانون أساسي يتعلق بالموافقة على اتفاقية تعاون بين حكومة الجمهورية التونسية وحكومة المملكة الأردنية الهاشمية في مجال النقل البحري. وتهدف هذه الاتفاقية خاصة إلى تطوير النقل البحري والمهن البحرية و تنظيم وتشغيل الموانئ ومحطات الحاويات وتنمية النقل متعدد الوسائط واللوجستية. كما ترمي إلى تنظيم مجال التكوين البحري والموانئ وتحويل التكنولوجيا ومراقبة الملاحة البحرية وتبادل المعلومات. وستمكن من تطبيق قواعد وتراتيب السلامة البحرية وأمن السفن والموانئ والملاحة البحرية وكذلك حماية المحيط البحري ومكافحة التلوث البحري والبحث والإنقاذ بالبحر ومكافحة الأعمال غير المشروعة المرتكبة اختراقا للقوانين البحرية، بالإضافة إلى تنسيق المواقف في المحافل والمنظمات البحرية الإقليمية والدولية.
وتطرق نواب الشعب خلال النقاش العام إلى حالة الموانئ وتدهور بنيتها التحتية على غرار ميناء طبرقة الذي اصبح مصبا للمياه المستعملة والاوساخ، حسب ما أكدته النائبة عن كتلة الائتلاف الوطني ليلى اولاد علي التي طالبت وزارة النقل بالتدخل العاجل لانقاذ هذا الميناء الذي كان يمثل مركزا ترفيهيا ونقطة هامة لاستقطاب السياح. في حين قال النائب عن الكتلة الديمقراطية عماد الدايمي ان الاردن لها علاقات تجارية قوية مع الكيان الاسرائيلي في المجال البحري وان اسرائيل لها مخططات كبرى لتتحول الى مركز اقليمي للنقل البحري عبر دعم التطبيع العربي في هذا المجال دون تطبيع سياسي.
من جهته، أعلن كاتب الدولة للنقل عن اطلاق ديوان البحرية التجارية والموانئ طلب عروض، خلال شهر مارس 2019، لاعداد مخطط مديري للسنوات 2040/2020 ستتم خلاله دراسة امكانية انشاء ميناء للمياه العميقة بالشمال الغربي. كما بين انه تمت اعادة تهيئة جميع المسطحات والارصفة بميناء صفاقس وبرمجة تحويل المحطة البحرية نحو المنطقة البترولية وانشاء مطرف جديد للحبوب والمجرورات.
مناقشة مشروع رياض الأطفال
لكن في المقابل، وفي ظل غياب النصاب القانوني من أجل التصويت على مشروع القانون، فقد مرت الجلسة العامة مباشرة إلى مناقشة مشروع القانون الموالي المتمثل في مشروع قانون يتعلق بتنظيم محاضن الأطفال ورياض الاطفال. ويهدف مشروع القانون إلى تدعيم المنظومة القانونية لهذه المؤسسات من أجل إحكام مراقبة هذا القطاع ومزيد تكريس حق الطفل في الالتحاق بالمؤسسات التي تكفل له التربية الجيدة والرعاية والحماية الكافية إلى جانب الاستجابة لمتطلبات العائلة وتمكينها من التوفيق بين الحياة العائلية والحياة المهنية. ويسعى المشروع إلى التصدي لظاهرة الفضاءات التي تحتضن الأطفال على غير الصيغ القانونية من خلال سن عقوبات صارمة بالنسبة إلى كل اعتداء بالعنف ضد الأطفال.
لكن في المقابل، فقد شهدت الجلسة العامة جدلا على خلفية تغيير جدول الأعمال وتسبقة مشروع القانون المذكور دون التصويت على بقية جدول الأعمال بما في ذلك القانون الانتخابي والاتفاقية المؤجلة، إلى جانب مطالبة عديد النواب خاصة من قبل المعارضة بتخصيص جلسة عامة للحوار مع محافظ البنك المركزي مروان العباسي لمساءلته في جلسة عامة حول الزيادة في نسبة الفائدة المديرية، معتبرين أنها تمسّ المقدرة الشّرائية لآلاف العائلات التونسية. وفي هذا الإطار، أكد النائب الأول لرئيس المجلس عبد الفتاح مورو أنه من المنتظر تخصيص جلسة عامة في الغرض صباح اليوم أو في يوم غد، الأمر الذي قد يؤجل المصادقة على تنقيحات القانون الانتخابي ليوم آخر.
عودة الخلافات من جديد
الجلسة المسائية لم تتمكن من المضي قدما في مشروع قانون محاضن الأطفال إلا بعد تأخير بقرابة الساعتين، نتيجة غياب النصاب القانوني، حيث تقلص عدد النواب تدريجيا. وفي الأخير ناقشت الجلسة العامة الفصل 3 اين توقفت اخر جلسة عامة سقطت على اثرها كافة مقترحات التعديل المقدمة بين الكتل، لتتعطل على إثرها الجلسة العامة قبل المصادقة على مقترح تعديل حكومي، وذلك نتيجة المطالبة بترسيخ مصطلح الهوية العربية الإسلامية من عدمه. وينص الفصل 3 «يقصد بروضة الأطفال على معنى هذا القانون المؤسسة التربوية الاجتماعية التي يؤمها الأطفال المتراوحة أعمارهم بين ثلاث وست سنوات ويتم فيها التعهد بهم تربويا بما يساهم في نموهم الذهني والبدني والنفسي والحركي والعاطفي والاجتماعي، من خلال تنشئتهم، بالتعاون مع الوسط العائلي، على محبة الوطن وثقافة حقوق الإنسان والاحترام المتبادل وقيم التسامح ونبذ العنف والكراهية والتمييز وتأصيلهم في هويتهم العربية الإسلامية مع التفتح على الثقافات الأخرى وتنشيطهم وتأطيرهم وحمايتهم بما يتلاءم مع احتياجاتهم النمائية»، لكن مقترح الحكومة سقط نتيجة غياب التوافق بخصوصه، وهو أمر كان متوقعا خاصة وأن رؤساء الكتل باستثناء كتلة حركة النهضة قد طالبوا بتأجيل الجلسة العامة، نتيجة هذا الفصل مما تسبب في سقوط الفصول 5 ،7،9،10 في حين تمت المصادقة على البقية بأصوات ضئيلة لم تتجاوز 76 صوتا، مما أجبر رئاسة المجلس على رفع الجلسة العامة وتأجيلها.