يجد مجلس نواب الشعب نفسه أمام مأزق سياسي وتأويلات قانونية متعددة في وقت تزداد الأمور تعقيدا على سياسة التوافق مما قد يعطل أشغال المجلس ومشروع الميزانية لسنة 2019، خاصة وأنه يجب تحديد جلسة عامة في القريب العاجل حتى يتمكن الوزراء من تقديم ميزانياتهم.
«المغـرب» رصــدت كـــافة السيناريوهات حول عملية التصويت صلب مكتب المجلس من أجل إقرار الجلسة العامة، وأيضا الاحتمالات المتعلقة بالأصوات الممنوحة لفائدة التحوير من عدمه.
بعد مراسلة رئيس الحكومة يوسف الشاهد يوم أمس بصفة رسمية، مجلس نواب الشعب لطلب منح الثقة في الوزراء وكتاب الدولة المقترحين في التحوير الوزاري، وهي المراسلة الأولى في إطار التحويرات الوزارية التي لا تأتي من قبل رئاسة الجمهورية، الأمر الذي أحدث جدلا في كواليس مقر البرلمان بين الكتل البرلمانية يومين قبل انعقاد مكتب المجلس الذي سيبت في المسألة. الكتل البرلمانية وإن لم تحسم مواقفها إلى حد الآن في انتظار ما ستسفر عنه المشاورات القادمة سواء بين الكتل أو بين رئاستي الحكومة والجمهورية والمنظمات الاجتماعية والمهنية.
خلاف قانوني أم سياسي
الخلاف بين الكتل البرلمانية يكمن بالأساس في رفض بعض الكتل التحوير الوزاري وأهمها كتلة حركة نداء تونس باعتبارها تسعى منذ أواخر السنة النيابية الرابعة إلى إزاحة الشاهد عن رأس الحكومة، لكنها اليوم تتعلل بالخلاف القانوني أي أن توجيه طلب نيل الثقة من رئاسة الحكومة وليست من رئاسة الجمهورية كما هو معمول به سابقا. وبما أن صف المعارضة أي كتلتي الديمقراطية والجبهة الشعبية وعدد من النواب غير المنتمين يرفضون حكومة الشاهد حيث لم يتم التصويت لفائدتها ولا في بقية التحويرات، فإن موقفهم بات واضحا إلا أن الإشكال القانوني قد يغير المواقف صلب اجتماع مكتب المجلس. في المقابل، الشق الثاني والمساند لحكومة الشاهد أهمهم كتلة حركة النهضة وكتلة الائتلاف الوطني، مع التحاق كتلة الحرة لمشروع تونس بعد مشاركتها في التحوير الجديد يعتبرون أن التحوير الوزاري قد تم بطريقة تراعي الدستور وأنه من حق رئيس الحكومة اقتراح تشكيلته الجديدة على البرلمان، وهو ما جاء على لسان النائب عبد اللطيف المكي الذي أكد على ان الشاهد احترم الصلاحيات خلال عملية التحوير، مجزما بأن الأزمة ذات بعد سياسي وليست أزمة صلاحيات دستورية.
الجدل بخصوص التأويلات القانونية بين المرور عبر بوابة باردو أو قرطاج، دائما ما يطرح مع كل تحوير وزاري مرتقب، إلا أن استناد المناصرين للشاهد على الفصل 89 من الدستور الذي ينص في فقرته الأولى على أن تتكون الحكومة من رئيس ووزراءَ وكتّاب دولة يختارهم رئيس الحكومة وبالتشاور مع رئيس الجمهورية بالنسبة لوزارتيْ الخارجية والدفاع. في المقابل، فإن كتلة حركة نداء تونس بصدد التشاور مع بعض الكتل وهي المعارضة بالتحديد، من أجل البحث عن سبل إيقاف التحوير وعدم منح الثقة للأعضاء الجدد والعودة الى العُرف في ظل غياب محكمة دستورية خولها الفصل 101 من الدستور صلاحية الفصل في حال حصل نزاع يخص الصلاحيات الموكلة لرئيس الحكومة ورئيس الجمهورية بطلب من أحدهما.
الأصوات محسوبة سلفا
التصويت لفائدة التحوير الوزاري سيكون فردا فردا في حالة إقرار جلسة عامة في الغرض، بعد تقديم رئيس الحكومة يوسف الشاهد لأسباب قيامه بهذا التحوير، إلا أن القرار الذي سيتخذ صلب مكتب المجلس بعقد جلسة عامة من عدمه لمنح الثقة سيحدد الأصوات التي ستمنح لفائدة التحوير والأصوات الضد. مكتب المجلس الذي يضم 4 أعضاء عن كتلة حركة النهضة، 5 أعضاء عن كتلة حركة نداء تونس، وممثل عن كل من كتل الجبهة الشعبية، الائتلاف الوطني، الديمقراطية، أي ان التصويت سيكون 7 أصوات لفائدة عقد جلسة (ممثلو حركة النهضة والائتلاف ومشروع تونس)، مقابل 5 أصوات ترفض وهم نواب كتلة
حركة نداء تونس، وبهذا قد تلعب المعارضة دور الحكم في هذا المسألة لكن الأغلب قد تصوت بالاحتفاظ مثلما جرت العادة، مع العلم ان كتلة الولاء للوطن تحظى بمنصب ملاحظ فقط.
وعلى مستوى الجلسة العامة المخصصة لمنح الثقة فإن نواب الائتلاف -40 نائبا- وحركة النهضة68 - نائبا- والحرة – 14 نائبا- مطالبون بالحضور بكثافة لضمان 109 أصوات لكل وزير، حيث يقدر عدد نواب الكتل الثلاثة 122 نائبا، في حين أن نواب كتلة حركة نداء تونس وحدهم 51. وفي حالة تصويت المعارضة أي الجبهة الشعبية -15 نائبا- والديمقراطية -12 نائبا-، فإن المجموع 78 صوتا، وهو غير كافي، مما قد يجعل كتلة حركة نداء تونس تبحث عن حليف جديد وهو صعب نوع ما باعتبار أن كتلة الولاء للوطن كتلة تقنية كل عضو فيها له حرية التصويت أي أنه بالامكان أن تنقسم مواقفهم بين الاثنين، ويقدر عدد أعضائها 11 عضوا، ونفس المسألة بالنسبة للنواب غير المنتمين وهم 6 نواب. ومع احتساب فرضية أن نواب المعارضة وغير المنتمين وكتلة الولاء للوطن سيساندون النداء تونس فإن أصواتهم لا تكفي أيضا باعتبار أن الاجمالي الحاصل حينها سيكون 95 نائبا، وبذلك تكون الجلسة محسومة سلفا لفائدة التحوير.
المطالبة بسحب الثقة من معروف والعذاري
في المقابل، فإن علاقة الحكومة بمجلس نواب الشعب لا تزال متذبذبة، فبالتزامن مع مجريات التحوير، تسعى بعض الكتل إلى سحب الثقة من بعض الوزراء من خلال جمع التوقيعات الكافية لتمرير لائحة سحب ثقة من وزير التنمية زياد العذاري، ووزير تكنولوجيا الاتصال الرقمي أنور المعروف. وقد بلغ إجمالي التوقيعات إلى حد الآن 63 توقيعا من كتل برلمانية مختلفة أبرزهم نواب كتلة حركة نداء تونس والجبهة الشعبية، الديمقراطية، إضافة الى عدد من غير المنتمين. لكن سحب الثقة يكون من خلال جمع 73 توقيعا للتمكن من إيداع العريضة في مكتب الضبط بالبرلمان، و لا يمكن ان يتم تفعيل سحب الثقة الا بجمع 109 اصوات يوم المصادقة عليها. وحسب ما صرح به نائب رئيس كتلة الجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي فان سبب المطالبة بسحب الثقة من الوزير يعود الى ارتكابه عدّة تجاوزات منها إجراء تعيينات مشبوهة وتهميش المركز الوطني للإعلامية، وحسب الفصل الفصل 97 من الدستور فإنه يمكن التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة، بعد طلب معلل يقدم لرئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء على الأقل. ولا يقع التصويت على لائحة اللوم إلا بعد مُضيّ 15 يوما على إيداعها لدى رئاسة المجلس. كما يمكن لمجلس نواب الشعب سحب الثقة من أحد أعضاء الحكومة بعد طلب معلل يقدم لرئيس المجلس من ثلث الأعضاء على الأقل، على أن يتم التصويت على سحب الثقة بالأغلبية المطلقة.