أو كتل قريبة منها، برزت بوادر تغير المشهد البرلماني والسياسي مما قد يؤثر على جدول أعمال مجلس نواب الشعب والهيئة العليا المستقلة للانتخابات. عديد السيناريوهات والاحتمالات تبقى مفتوحة حول مصير سياسة التوافق في علاقة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية.
أعلنت حركة نداء تونس وحركة مشروع تونس أول أمس عن الاتفاق على العمل على تكوين كتلة برلمانية موحّدة، لتكون الكتلة النيابية الأولى في مجلس النواب قبل حركة النهضة، من بين أهدافها سد الشغور أي تجديد ثلث أعضاء الهيئة الذين خرجت أسماؤهم في القرعة ثم انتخاب رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، بالإضافة إلى تنقيح القانون الانتخابي، وحسب ما جاء في نص البيان أيضا تركيز المحكمة الدستورية والمصادقة على قانون مالية يكون قاطرة فعلية لحلحلة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والدفع نحو التوافق حول الإصلاحات الكبرى المستعجلة.
القرار المشترك بين الحركتين جاء مفاجئا للجميع داخل مجلس نواب الشعب، بعد أن كان مجرد حديثا إعلامي أطلقها الأمين العام لحركة مشروع تونس، إلا أن أغلب الأطياف السياسية شككت في هذه المبادرة وصحة تطبيقها على أرض الواقع لاعتبارين اثنين، أولهم أن مثل هذه المبادرات تم إطلاقها والترويج لها في عديد المناسبات منها السنة الفارطة حين تم الحديث عن تكوين جبهة برلمانية موحدة إلا أنها بقيت مجرد مادة إعلامية لا غير. أما الاعتبار الثاني فهو أنه يصعب إعادة دمج حزبين اثنين أحدهما انشق عنها سابقا، ونعني بذلك انشقاق نواب كتلة حركة نداء تونس وتكوينهم لكتلة الحرة التي ساهمت بعد في تأسيس حركة مشروع تونس.
هدف ضد حركة النهضة
كما أن الأزمة ستشتد في مجلس نواب الشعب مع بقية الكتل بالخصوص الكتلة الأكثر تمثيلا في البرلمان حاليا، اي كتلة حركة النهضة التي تسعى بدورها إلى تقديم جملة من المقترحات بخصوص تنقيح القانون الانتخابي وتنقيح القانون على مستوى الترفيع في نسبة العتبة أو استعمال نفس النسبة التي تم استعمالها في الانتخابات البلدية، بالإضافة إلى تغيير طريقة احتساب الأصوات، من أجل منع التشتت باحتساب الأصوات بأكبر المتوسطات عوضا عن أكبر البقايا. بالإضافة إلى نية حركة النهضة تنقيح القانون المحدث لهيئة الانتخابات بالتشديد على أن يتم اقتراح رئيس هيئة الانتخابات من قبل رئيس الجمهورية، ثم يصادق عليه مجلس نواب الشعب مرة واحدة بأغلبية الثلثين ثم يقوم رئيس الهيئة باختيار بقية الأعضاء وعرضهم على مجلس النواب من اجل المصادقة. لكن في المقابل، قد تصعب المهمة بعد إعادة تنظيم سياسة التوافق صلب البرلمان، اي أن تجد كتلة حركة النهضة نفسها مقابل كتل أخرى توافقية أي كتلتي حركتي نداء تونس ومشروع تونس وبعض المساندين لها كالاتحاد الوطني الحر وبصفة أقل كتلة الولاء للوطن، وشق ثالث معارض يتمثل في كتلتي الجبهة الشعبية والديمقراطية ونواب غير المنتمين.
مستقبل المجلس في علاقة بمصير الحكومة قد يتغير أيضا، باعتبار أن الأرضية التي ساهمت في إطلاق مثل هذه المبادرة كانت نتيجة عدم رضا حركتي نداء تونس والمشروع على أداء الحكومة وبالخصوص رئيسها يوسف الشاهد الذي طالبوه بالرحيل والاستقالة، إلا أن حركة النهضة تشبثت به الأمر الذي أدخل البرلمان في أزمة خانقة تسببت في تأجيل المصادقة على جملة من مشاريع القوانين، وعدم استكمال تركيز المحكمة الدستورية وتأخير الحسم في معضلة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
ليست الحكومة وحدها السبب الرئيسي وراء إطلاق المبادرة، بل أن أيضا المحكمة الدستورية لها دور، فالخلاف حول المرشحين بين الكتل الثلاث منذ السنة الفارطة لم يتغير، وهو ما جعل الحركتين تسعيان إلى توفير النصاب الضروري لتمرير المرشحين الذين تساندهم، ونفس الفكرة تقريبا في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. المبادرة يبدو أن هدفها الضمني ضرب حركة النهضة صلب البرلمان، بعد الخلاف معها حول كل هذه النقاط، فقد بين النائب عن كتلة الحرة لمشروع تونس محمد الطرودي إن تغول حركة النهضة من الأسباب الرئيسية وراء التفكير في تكوين كتلة نيابية مع حركة نداء تونس وتجاوز جل الخلافات الحزبية، حيث من المنتظر على حد تعبيره أن تكون هذه الجبهة ضامنة للاستقرار والتوازن السياسي، مع إمكانية عودة النواب المستقيلين من حركة مشروع تونس إلى هذه الجبهة البرلمانية الجديدة.
لخبطة في حسابات المجلس وهيئة الانتخابات
من جهة أخرى، مثل هذه المبادرة وإن لم تطبق على أرض الواقع إلى حد الآن، إلا أنها ستلخبط حسابات جدول أعمال مجلس نواب الشعب باعتبار أنه سيتم إقرار انتخاب رئيس هيئة الانتخابات مباشرة بعد انتهاء العطلة البرلمانية، ثم الانطلاق في عملية التجديد، بالإضافة إلى أن المشهد البرلماني قد يتغير ويفرز بذلك صراعات جديدة مع كتلة حركة النهضة على مستوى إعادة توزيع الحصص صلب اللجان القارة والخاصة وعضوية مكتب المجلس. كما ستساهم هذه المبادرة في تجديد الصراعات والازمة داخل مجلس الهيئة باعتبار أن عديد الأمور ستتغير من بينها الغاء ترشح العضو نبيل بفون لرئاسة الهيئة، وهو ما قد يكون السبب الرئيسي وراء قرار أسبقية التجديد على حساب انتخاب الرئيس إذ تعتبرا الحركتان أن نبيل بفون مرشح حركة النهضة، باعتبار أن ما سيتغير إعادة فتح باب الترشحات للرئاسة بما أن الثلاثة الجدد لديهم الحق في الرئاسة. وقال عضو الهيئة نبيل العزيز أنه من الأحسن الانطلاق بتجديد الثلثين من خلال فتح باب الترشحات للمناصب الثلاثة واختيار الاعضاء الجدد، عوضا عن انتخاب الرئيس أولا، حتى لا يتم فرض رئيسا على اعضاء جدد، مشيرا إلى أن هذه الطريقة ستساهم في استقرار مجلس الهيئة والتوازن بين كافة الاعضاء لذلك يجب الاسراع في تجديد الثلثين في اول اجتماع مجلس النواب. واعتبر ايضا في ختام قوله أنه من غير المعقول أن لا يجتمع مجلس الهيئة منذ 5 جويلية الفارط، مع تواصل النزاعات الداخلية صلب الهيئة نتيجة عدم وجود رئيس للهيئة وضبابية مستقبل عمل هيئة الانتخابات.
في الانتظار..
وفي سياق آخر، يبدو أن ادماج الكتلتين سيكون بمثابة إعادة جسر التواصل مع بقية المنشقين سابقا عن حركة نداء تونس وبعض الأحزاب الموالية الأخرى سنة قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية، ويكون بذلك قانون المالية للسنة القادمة أول امتحان لهذه المبادرة، من أجل تقديم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والدفاع عنها، باعتبار أن مناقشات مشاريع قوانين المالية كثيرا ما تشهد خلافات بين الكتل البرلمانية، وحتى مع الحكومة لتعدد الرؤى والمواقف والدراسات. في انتظار تطبيق الفكرة على أرض الواقع، يبقى المشهد السياسي والبرلماني غامضين إلى حين تحديد مصير المبادرة سواء النجاح وتترجم على أرض الواقع أو أنها مجرد تخمينات ومبادرات مثلها مثل ما سبقها.