لم تحدد الكتل البرلمانية موقفها من التصويت لفائدة الإعفاء من عدمه وذلك أياما قليلة قبل موعد الجلسة العامة. ضبابية المشهد البرلماني، مع وجود نية لتنقيح القانون المحدث للهيئة، قد يجعل الجلسة العامة مجرد حلقة نقاش دون تصويت وتأجيل الحسم في المسألة.
بعد تحديد مكتب مجلس نواب الشعب جلسة عامة يوم الثلاثاء القادم من أجل التصويت على طلب إعفاء رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري، وذلك بعد قرار مجلس الهيئة تطبيق الفصل 15 من القانون الأساسي المحدث لهيئة الانتخابات. الجلسة العامة ستنطلق بالاستماع إلى أعضاء الهيئة الذين تقدموا بطلب الإعفاء وإلى ردود رئيس الهيئة، ثم يتم فتح باب النقاش العام، وفي النهاية المرور إلى التصويت بـ 109 أصوات على سحب الثقة من عدمه.
الفصل 15 من القانون الأساسي ينص أساسا على أنه يتم إعفاء رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أو أحد أعضاء مجلسها في صورة ارتكابه لخطأ جسيم في القيام بالواجبات المحمولة عليه بمقتضى هذا القانون أو في صورة الإدانة بمقتضى حكم بات من أجل جنحة قصدية أو جناية أو في صورة فقدانه لشرط من شروط العضوية بمجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. يرفع طلب الإعفاء من قبل نصف أعضاء مجلس الهيئة على الأقل ويعرض على الجلسة العامة للمجلس التشريعي للمصادقة عليه بالأغلبية المطلقة لأعضائه.
الأخطاء الجسيمة التي يعتقد أنها مرتكبة من قبل رئيس الهيئة حسب التقرير المقدم إلى المجلس الذي يبدو أنه مطول نوع ما بعد ما بلغت عدد صفحاته حوالي 100 صفحة من أجل شرح أسباب طلب الإعفاء يمكن حصرها في رفض تنفيذ قرارات ومداولات المجلس، الاستهتار بقرارات المجلس وبسلطته التقريرية، بالاضافة إلى أخطاء تعلقت بالتسيير الإداري والمالي والفني للهيئة وأخطاء تعلقت بالمسار الانتخابي. هذه الأخطاء التي سيتم تعدادها الواحدة تلو الأخرى في الجلسة العامة، قبل الاستماع إلى تدخلات نواب الشعب ثم إلى محمد التليلي المنصري، وعلى إثرها سيتحدد مصيره سواء بالبقاء أو الرحيل.
مصير المنصري يبقى مجهولا
جلسة عامة انتخابية تأتي في وقت حساس جدا، في وقت يعيش مجلس نواب الشعب أزمة سياسية بين الكتل البرلمانية في علاقة ببقاء حكومة الشاهد من عدمها، وعلى إثرها انكسرت سياسة التوافق. فقد عجز البرلمان منذ مدة عن تمرير مشاريع قوانين نتيجة عدم توفر 109 من الاصوات، وهو ما يجعل الجلسة العامة الانتخابية جد صعبة خصوصا وأن مواقف الكتل غير واضحة إلى حد الآن. أضف إلى ذلك أن إعفاء المنصري من منصبه، قد يضع كتلة حركة نداء تونس في إحراج أمام بقية الكتل، باعتبارها الطرف المسؤول في انتخابه، حين تمسكت به عن بقية المرشحين. المعارضة الممثلة بكتلتيها الجبهة الشعبية والديمقراطية وبعض النواب غير المنتمين سيستغلون هذه المسألة من أجل ضرب سياسة التوافق التي أفرزت انتخاب المنصري، وساهمت في تسييس أعضاء الهيئة، مما قد يدعوها إلى المطالبة بإقالة الهيئة وإعادة انتخابها من جديد أو البحث عن حل آخر يكون في تنقيح القانون المحدث لها.
الكتل البرلمانية لم يتحدد موقفها بالتصويت لفائدة المنصري من عدمه إلى حد الآن، حيث أن أغلبها سيحدد مصير المنصري يوم الجلسة بالتحديد وعلى ضوء ما سيبوح به رئيس الهيئة من حقائق، بعدما أعلن في أكثر من مناسبة أنه مستعد للذهاب إلى المجلس وتحمل المسؤولية كاملة. وصرح رئيس كتلة الولاء للوطن رياض جعيدان أن الكتلة ستحدد موقفها يوم الثلاثاء قبل الجلسة العامة، معتبرا أن هناك محاولات من بعض الاطراف السياسية منذ انطلاق عملية انتخاب الأعضاء من أجل تعطيل المسار الانتخابي وتأجيل انتخابات 2019 التشريعية والرئاسية، مما يجعل المسألة خطيرة على البناء الديمقراطي. في المقابل، من المنتظر أن تحسم كتلة حركة نداء تونس موقفها النهائي في اجتماعها اليوم الذي سيخصص حسب ما صرح به محمد الناصر جبيرة لدراسة المسألة وحيثياتها وأيضا تداعياتها المستقبلية.
الإشكال في المستقبل
لكن السؤال المطروح في حالة بقاء المنصري كيف سيكون موقف بقية الأعضاء الذين سعوا إلى الإطاحة بزميلهم، ونفس الحالة تقريبا في حالة إعفائه ليعود عضوا مثل بقية الأعضاء. لكن في المقابل، فإن مجلس نواب الشعب قد يختار سيناريو أفصل يدفع من قبل بعض الكتل يتمثل في تنقيح القانون المحدث للهيئة على مستوى التركيبة وهو ما أكده النائب عن حركة النهضة أسامة الصغير، وتفادي الاشكالات الحاصلة سواء في تجديد ثلث الاعضاء عن طريق القرعة أو في النصاب القانوني لانتخاب أحد الأعضاء أو الإعفاء، وبذلك يرفع البرلمان عنه مشقة الخلافات أو السقوط في خلافات جديدة حول كرسي رئاسة الهيئة. حركة النهضة تسعى إلى تنقيح القانون ودفع بقية الكتل إلى حوار حول المسألة والتوافق على ذلك، بالاستناد إلى تجربة المحكمة الدستورية، من خلال تقديم الحكومة مقترح يتعلق بالنصاب من أجل تسهيل انتخاب أعضائها.
كل السيناريوهات مطروحة داخل مجلس نواب الشعب من أجل تحديد مصير رئيس الهيئة محمد التليلي المنصري بصفة خاصة، ومستقبل الهيئة العليا المستقلة بصفة عامة، خصوصا وأن القرار الذي سيتخذ سيكون له تأثير على مستقبل الهيئة ككل وأعضائها الذين قد يجدون أنفسهم في إحراج لو تم الإبقاء على المنصري وثبت عدم صحة التقرير المقدم من قبلهم، مما قد يدفعهم إلى الاستقالة أو المساءلة أمام البرلمان.