المخصصة للتصويت على مواصلة هيئة الحقيقة والكرامة لمهامها من عدمها. الأجواء تقريبا هي نفسها مقارنة بالجلسة الفارطة، لكن هذه المرة تميزت بالشخصنة وهتك الأعراض في شخصي رئيس المجلس محمد الناصر من قبل المعارضة وحركة النهضة من ناحية ورئيسة الهيئة سهام بن سدرين من قبل حركة نداء تونس والحرة من ناحية أخرى.
كان من المفروض أن تكون المهلة الفاصلة بين جلسة يوم السبت الفارط وجلسة يوم أمس، فرصة أمام الكتل البرلمانية من أجل التوافق حول موضوع التصويت للتمديد في مهام الهيئة والحقيقة والكرامة من عدمها، خصوصا إثر عودة رئيسة الهيئة سهام بن سدرين إلى الجلسة العامة، بعد انسحابها في الجلسة السابقة نتيجة الأجواء المشحونة بين النواب. لكن الكتل المساندة لمبدإ التمديد في مهام الهيئة تعتبر أن مكتب المجلس لا يحق له التشريع في هذه المسألة بالتحديد، في ظل غياب أي إطار قانوني يحدد إجراءات الجلسة سواء على مستوى النصاب القانوني للتصويت المقدر حسب المكتب بـ 109 أصوات، أو طريقة طرح السؤال للتصويت وكذلك حول أحقية المجلس النظر في المسألة برمتها. لكن كتلة حركة نداء تونس تعتبر أن المحكمة الإدارية حسمت في مسألة شرعيّة الجلسة العامة في النظر في قرار تمديد عمل هيئة الحقيقة والكرامة.
ما سبق الجلسة العامة
الأجواء المشحونة تواصلت حتى داخل كواليس المجلس، فقد سبق انعقاد الجلسة تصريحات من قبل الكتل الرافضة لمبدإ التمديد تؤكد نيتها إعداد مبادرة تشريعية جديدة تتعلق بالعدالة الانتقالية بالتنسيق مع لجنة قانونية في صورة عدم التمديد في مهام الهيئة. في المقابل، فقد عبرت الكتلة الديمقراطية عن نيتها تقديم عريضة من أجل سحب الثقة من رئيس المجلس محمد الناصر، مما جعل جلسة يوم أمس فرصة لتصفية الحسابات بين مختلف النواب.
بداية الجلسة العامة، أعادت النقاش من جديد حول مسألة الحضور وطريقة الاحتساب مثلما حصل في الجلسة السابقة، حيث تجند نواب كتلة حركة النهضة من أجل إعادة التصويت بعد رفض رئاسة المجلس ذلك معتبرة أن هذه الجلسة امتداد للجلسة الفارطة. وتدخل النائبان سمير ديلو والحبيب خضر، مطالبين بتطبيق النظام الداخلي خاصة فيما يتعلق بالنصاب القانوني للجلسة، بعض النظر عن الاختلاف حول شرعيّة الجلسة العامة على حد تعبيرهم، ولا يمكن اعتبارها امتدادا للجلسة الفارطة لأن جلسة يوم السبت لم يتوفّر فيها النصاب.
تجدد الفوضى والاتهامات
لكن في المقابل، فقد تواصلت الفوضى من جديد مع انطلاق الجلسة العامة سواء على خلفية كيفية احتساب الحضور أو على مستوى النقاش القانوني والسياسي في أحقية المجلس بالتصويت أو لا. لكن سرعان ما تطورت الخلافات إلى فوضى وتشابك بالأيدي والتراشق بالتهم، إلى حد التجريح والتشخيص، أولا في شخص رئيسة الهيئة سهام بن سدرين ورئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر. الانتقادات والتشنجات تعود عليها المتابع للشأن البرلماني، تأتي من جهة المعارضة، لكن هذه المرة أتت من قبل نواب كتلة حركة النهضة، الذين اتهموا رئيس المجلس محمد الناصر بالانحياز ولا مكان له لترؤس الجلسة، فقد شبهت النائبة منية إبراهيم رئيس المجلس برئيس الحزب يسير الجلسة العامة حسب الحسابات الحزبية في إشارة منها إلى حركة نداء تونس، متحججة في ذلك بأن الناصر له ملفان صلب الهيئة، على غرار عديد الشخصيات المرموقة في البلاد.
هذا التصريح، سرعان ما أخرج محمد الناصر عن طريقته المعهودة في تسيير الجلسات ببرودة الأعصاب، إلى التشنج قائلا للنائبة منية إبراهيم « أنا نظيف وأنظف منك»، لترد عليه في ما بعد «أنا أنظف منك وأشرف منك وأرجل منك ومواقفي تشهد عليّ لا بعت في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل». تحولات جذرية شهدتها الجلسة العامة كسرت التوافقات بين الكتل، حيث لم تتمكن الجلسة الصباحية من الخوض في النقاش العام بعد تعدد نقاط النظام لأكثر من ساعتين، فضلا عن إيقافها لأكثر من مناسبة من أجل التشاور. لكن في المقابل، فإن هذا التشاور لم يفض إلى شيء، بعد تمسك كل كتلة بموقفها، فكتل حركة نداء تونس والحرة لمشروع تونس وبنسبة اقل كتل الوطنية والاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس بعدم التمديد في مهام الهيئة، في حين تتشبث كتل الجبهة الشعبية والديمقراطية وحركة النهضة بعدم أحقية المجلس في اتخاذ مثل هذا القرار والتمديد في مهام الهيئة. لا يمكن الحديث عن تحالفات بين الكتل خلال الجلسة، فكل حسب موقفه، لكن حركة النهضة بدت متخوفة من خسارة المعركة من خلال التصويت، خصوصا بعد تصريح النائب عن الجبهة الشعبية زياد لخضر الذي اعتبر أنه بالرغم من موقفهم المتمثل في مساندة مسار العدالة الانتقالية، إلا أن كتلته غير مسؤولة عما يطبخ بين حركتي النهضة ونداء تونس محملا المسؤولية إليهما رفقة رئيسة الهيئة
اشتراط استقالة بن سدرين للتمديد
لكن الجديد في الأمر، هو شخصنة المسألة رسميا بعد اشتراط رئيس كتلة حركة نداء تونس سفيان طوبال التمديد في مهام الهيئة مقابل تقديم سهام بن سدرين استقالتها. وقال طوبال في مداخلته الموجهة إلى بن سدرين أنها إذا أرادت حقا نجاح مسار العدالة الانتقالية فعليها أن تقدم استقالتها باعتبارها تمثل حجر عثرة أمام هذا المسار. نفس الموقف تبناه النائبان عن الكتلة الوطنية مصطفى بن أحمد ووليد الجلاد بعدما دعا بن سدرين إلى الاستقالة من منصبها تفاديا للتصعيد الذي قد يصل إلى صدامات في الشوارع. وبعيدا عن الخلافات الشخصية، فقد تطرق البعض إلى النقاط القانونية في علاقة بقرار المجلس المتعلق بالتصويت على التمديد، حيث قال نواب حركة النهضة والديمقراطية انّه لا وجود لأي عبارة في الفصل 18 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية تنص إلى أن البرلمان له صلاحية التمديد في عمل هيئة الحقيقة والكرامة.
في أسباب التمديد..
تواصل الخلاف صلب الجلسة العامة تزامن أيضا مع تنظيم عدد من المحتجين أمام مقر البرلمان بدعوة من حزب حراك تونس الإرادة وقفة للتعبير عن تأييدهم لقرار التمديد في عمل هيئة الحقيقة والكرامة، بالاضافة إلى لقاء رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي حول نفس المسألة. وبعد انتهاء نقاط النظام، صعدت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين على المنصة من أجل إلقاء كلمتها، إلا أن رئيس كتلة حركة نداء تونس سفيان طوبال طالب بنزولها باعتباره قد تحصل على نقطة نظام قبلها. ومع نزول بن سدرين من جديد، اعتبر طوبال أن النقاش العام قد انطلق فعلا منذ الجلسة السابقة مع تدخل النائبة هالة عمران، فور مغادرة بن سدرين من حينها وهو ما يعني ضرورة مواصلة النقاش العام. لكن رئاسة الجلسة وبهدف تصفية الأجواء، مكنت بن سدرين الكلمة لتوجه خطابها بالأساس إلى الانتقادات الموجهة ضدها، قائلة «انا هنا لا امثل شخصي بل أمثّل الهيئة...وأترفّع عن كل ما قيل في شخصي وخطاب الكراهية»، للتطرق فيما بعد إلى تفاصيل مهام الهيئة وحول الفصل 18 الذي يعطي الأحقية لمجلس الهيئة في التمديد على حد تعبيرها، دون الترفيع في ميزانيتها. وأوضحت أن مدة التمديد في عمل الهيئة لن تتجاوز 6 أشهر وذلك بغرض صياغة التقرير النهائي والختامي لنشاطها على مدى 4 سنوات.
نقاش عام دون بن سدرين
وانطلق النقاش العام الذي قدر بـ 8س و20د شهد انتقادات جارحة في شخص رئيسة هيئة مسار العدالة وأحيانا ضد العدالة الانتقالية التي اعتبرتها الكتل الرافضة لمبدإ التمديد باتت تقسم التونسيين بين مع وضد، حيث اعتبر النائب عن الكتلة الحرة محمد الطرودي أن التمديد في مهام الهيئة يعتبر إفشالا لمسار العدالة الانتقالية، خصوصا وأن رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة تعتبر نفسها فوق القانون وفوق الدولة. أمام هذه الانتقادات اللاذعة، حاولت بن سدرين التظاهر بعدم الاهتمام أو اللامبالاة من خلال استعمالها لهاتفها الجوال خلال سير الجلسة وعدم النظر إلى نواب الشعب، ثم غادرت الجلسة بالرغم من تعهدها لرئيس المجلس بالاستماع إلى كافة المداخلات لكنها عادت في آخر الجلسة. كما اعتبرت النائبة عن كتلة حركة نداء تونس أنس الحطاب أن كتلتها تريد رئيسا محايدا لهيئة الحقيقة والكرامة لا ينحاز إلى طرف سياسي بعينه.
أما القسم الثاني المثمن لمسار العدالة الانتقالية، فقد تطرق إلى المآخذ القانونية للجلسة خصوصا من قبل نواب كتلة حركة النهضة، حيث قال سمير ديلو أن قانون العدالة الانتقالية لا يتحدّث عن مطلب وإنما عن قرار بالتمديد، معتبرا أن مكتب المجلس لا يحق له تأويل الدستور، وإنما النظام الداخلي فقط. في حين صعّد النائب عن الكتلة الديمقراطية عماد الدايمي أنه لا يقبل المرور لأيّ تصويت لأنها جلسة غير شرعيّة، مشيرا إلى أن رئيس المجلس مثل خصما في هذه القضية باعتباره مورطا في نظام بن علي، وهو نفس الموقف الذي تبناه النائب عن حركة النهضة صحبي عتيق.
النقاش العام بين نواب الشعب تواصل إلى غاية ساعة متأخرة من ليل أمس بعد طلب رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري إيقاف الجلسة لمدة معيّنة من أجل التشاور وهي محاولة من قبل بعض رؤساء الكتل لتعطيل الجلسة ، في انتظار التصويت على مواصلة هيئة الحقيقة والكرامة لمهامها من عدمها، التي قد تسفر عن تجدد الخلافات حينها بين الكتل البرلمانية.