وذلك من أجل فسح المجال أمام لجنة التوافقات لدراسة مقترحات التعديل. النقاش العام تطرق بالأساس إلى مضمون مشروع المجلة، في ظل تخوفات البعض على وحدة الدولة وهيمنة اللامركزية من خلال إعطاء صلاحيات واسعة للجماعات المحلية.
انطلق مجلس نواب الشعب يوم أمس في مناقشة مشروع مجلة الجماعات المحلية، بصفة رسمية صلب الجلسة العامة، حيث افتتح رئيس المجلس محمد الناصر الجلسة من خلال كلمة ألقاها أكد خلالها على أهمية مشروع المجلة لما يمهّد الطريق أمام الانتخابات البلديّة، مما يجعل المجلس حريصا على المصادقة عليها في أقرب الآجال. وبين الناصر أن مناقشة المجلة صلب لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح تتطلب جهدا استثنائيا حتى يكون النصّ متوازنا وقابلا للتطبيق والتنفيذ، مطالبا بضرورة وضع خطة ومنهجية شاملة لإرساء مسار اللامركزية خصوصا وأن الفصل 14 من الدستور أقرّ بالتزام الدولة في دعم اللامركزية، مما يستوجب التعمّق في أبعاده ومضامينه حتى يتم تحقيق النتائج المرجوّة منه.
من جهة أخرى، تطرق رئيس لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح الناصر جبيرة إلى عرض مضامين مشروع المجلة التي ستساهم في إنجاح مسار اللامركزية، حيث بين أن خيار اللجنة تمثل في توفير كافة الظروف الملائمة لضمان وحدة الدولة وحمايتها من التفكيك، بالاعتماد على ما جاء في الدستور في ما يتعلق بمسار لا مركزية إداريّة. وأضاف أن دور السلطة المركزية سيقتصر على الرقابة اللاحقة عبر القضاء الإداري، إلى جانب أن الجماعات المحليّة ستلعب دورا مهمّا في المجال الاقتصادي، مشيرا في نفس الوقت إلى أن العدالة تقتضي التمييز بين البلديّات التي لا تحظى كلّها بنفس الحظوظ مع مراعاة مؤشرات التنمية، خصوصا وأن مسار اللامركزية يرمي أيضا إلى تعزيز انتماء المواطن إلى دولته وهو خيار استراتيجي ولا يقتصر على مشروع قانون.
وحدة الدولة بالتزامن مع اللامركزية
من جهة أخرى، استمعت الجلسة العامة إلى تقرير اللجنة حول مشروع المجلة لأكثر من ساعتين لينطلق على إثرها النقاش العام بين النواب الذي تواصل على امتداد 5 ساعات ونصف. النقاش العام تمحور حول عديد المواضيع المختلفة المتعلقة بمسار اللامركزية والسلطة الجهوية والمحلية بالإضافة إلى وضعية البلديات في علاقة بالاستحقاق الانتخابي القادم. وقالت النائبة عن كتلة حركة نداء تونس عبير العبدلي أن مجلة الجماعات المحلية تمثل دعما للقرار المحليّ ولاستقلاليته، حيث أن البلديات المحدثة جديدا تغيب عنها البنية التحتية والمرافق الأساسية. كما تحدثت عن صندوق دعم اللامركزية الذي يسهر على تحقيق التوازن بين الجماعات المحلية إلى جانب مطالبتها بضرورة إقرار مقرّ المجلس الأعلى للجماعات المحلية خارج العاصمة هي مسألة إيجابية.
في حين تحدث البعض الآخر عن ايجابيات السلطة المحلية دون تفكيك الدولة والعمل على ضمان وحدتها، من بينهم النائب عن كتلة حركة النهضة الهادي صولة الذي بين أن السلطة المحلية تقوم أساسا على تفعيل اللامركزية الإدارية في إطار وحدة الدولة، مبينا أن اللامركزية ستتفتح الأبواب أمام دعم التنمية في الجهات بعيدا عن التخوّفات التي أطلقها البعض من تفكّك الدولة عبر اللامركزية، خصوصا وأن هناك 7200 مترشّح للانتخابات البلدية وهو ما يعدّ تشبيبا وتجديدا للطبقة السياسية. كما فندت النائبة عن الكتلة الوطنية ليلى الحمروني التخوّفات لدى البعض من تفكّك الدولة بالرغم من اعتبارها تخوّفا مشروعا وطبيعيّا بما أن البلاد أديرت بنفس منظومة الحكم منذ سنين، مؤكدة في ذلك على أن مشروع قانون الجماعات المحلية يمثّل منعرجا مفصليّا في إدارة البلاد.
بعض الاحترازات..
من جهة أخرى، فقد ثمنت المعارضة أيضا ما جاء في مشروع المجلة بالرغم من احترازاتها على بعض النقاط مما جعلها تعجل بتقديم جملة من مقترحات التعديل في الغرض. وقال النائب عن كتلة الجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي أنه لابد من الحرص على حياد الإدارة باعتبارها تمثّل شرطا أساسيا في نجاح اللامركزية، إلى جانب العمل على حياد الإعلام والإدارة لما يمثلانه من شرطين أساسيين لإنجاح الانتخابات البلديّة القادمة، مضيفا أن كتلته تقدمت بمقترحات التعديل بهدف تقييد السلطة المركزية والحدّ من تدخّلها في السلطة المحليّة. في حين تطرق البعض إلى ما بعد المصادقة على مشروع المجلة خصوصا في كيفية تطبيق بنودها على أرض الواقع، حيث اعتبر النائب عن الكتلة الديمقراطية نعمان العش أن تطبيق مجلة الجماعات المحلية مرتبط بالإسراع في إصدار الأوامر الترتيبية، مطالبا بمزيد التدقيق في كيفية تقاسم الصلاحيات بين البلدية والجهة والمركز، على غرار العمل على توضيح المسار التدرجي في تكريس الحكم المحلي للمواطنين.
التدرج في تركيز مسار اللامركزية
مشروع المجلة وإن حظي بتثمين كافة الكتل البرلمانية، إلا أن الانتقادات انحصرت بالأساس في كيفية تطبيق المجلة على أرض الواقع من أجل إنجاح المسار بأكمله في ظل الإمكانيات البسيطة. وقالت النائبة عن الكتلة الحرة لمشروع تونس خولة بن عائشة أن اللامركزية تتطلب آليات وإمكانيات مادية وبشرية، حيث يجب العمل بواقعية أكثر باعتبار أن المركز ليس موحدا وهو ما يصعب تطبيق اللامركزية في إطار وحدة الدولة، وهو ما جعلها تطالب بالتدرج في تركيز مسار اللامركزية إضافة إلى ضرورة تكوين أعضاء المجالس المحلية. نفس الموقف تقريبا تبناه النائب عن كتلة آفاق تونس كريم الهلالي الذي قال أن إرساء نظام إداري جديد قائم على اللامركزية هدفه تنموي بالأساس واعتماد التدرج في التطبيق من شأنه المساهمة في إنجاح ذلك، حيث يجب أن يفهم المواطنون أن الانتخابات البلدية لن تحل مشاكلهم دفعة واحدة في ظل ضعف التأطير والإمكانيات المالية للبلديات.
تحديات نجاح مجلة الجماعات المحلية
ومع انتهاء النقاش العام، تقدم وزير الشؤون المحلية رياض المؤخر للرد على تساؤلات النواب، حيث قال مشروع المجلة سيساهم في تكريس الباب السابع من الدستور حول السلطة المحلية من خلال عملية إصلاح مؤسسات الحكم المحلي، مشيرا إلى أن اللامركزية ليست هدفا في حدّ ذاته وإنما هي وسيلة لتحقيق غاية المواطن. كما أكد على أن السلطة الترتيبية للجماعات المحلية لا تتعارض مع السلطة الترتيبية لرئيس الحكومة، مبديا في ذلك تفهمه لتخوفات البعض على وحدة الدولة في ظل تراجع سلطة الدولة لأن صلاحيات الجماعات البلدية مضبوطة قانونيا ولا تتعارض مع سياسات الدولة. كما تحدث المؤخر عن تحديات نجاح الجماعات المحلية من خلال العمل على توفير الموارد البشرية الضرورية لتسييرها، باعتبار أن البلديات بحاجة إلى قرابة 7000 إطار مختص، على غرار أن الوزارة تكفلت بتجهيز البلديات وإحداث مقرات للبلديات الجديدة وخلاص بعض الكتاب العامين بها في انتظار تركيز المجالس البلدية.
الجلسة العامة توقفت في حدود النقاش العام فقط، بعد قبول مكتب المجلس تعديل روزنامة المصادقة على مشروع القانون المتعلق بمجلة الجماعات المحلية على إثر الطلب المقدم من قبل رئيس لجنة تنظيم الإدارة لتنطلق جلسات التصويت على الفصول يوم الخميس 29 مارس 2018 على ان تعقد جلسات التوافقات حول مقترحات التعديل من الاثنين 26 إلى الاربعاء 28 مارس 2018.