والاجتماعية لفائدة تونس. وتأتي هذه الإجراءات في ظل تأكيد دعمه وتجديد مساندة فرنسا لتونس من أجل إنجاح التجربة التونسية الديمقراطية، وذلك في إطار الزيارة التي يؤديها إلى تونس والتي وصفها نواب الشعب بالتغيير الجذري في العلاقات الفرنسية التونسية.
مثّل مجلس نواب الشعب المحطة الثانية بالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اليوم الثاني من الزيارة التي يؤديها إلى تونس، فقد كانت الجلسة العامة الممتازة فرصة للرئيس الفرنسي من أجل تجديد دعمه لتونس في تجربتها الديمقراطية، متحدثا عن كافة الإجراءات التي ستتخذها فرنسا من أجل مساندة تونس اقتصاديا واجتماعيا.
بداية الجلسة العامة التي افتتحها رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر، من خلال كلمة ألقاها مهّدت نوعا ما للرئيس الفرنسي للدخول في صلب الموضوع بعيدا عن اللغة الخشبية أو الديبلوماسية الخالية من أية قرارات أو اجراءات. الناصر شدد في خطابه على عمق العلاقات التونسية الفرنسية، مثمنا في ذلك الجهود الفرنسية من أجل مساعدة تونس في مجابهة التحديات على جميع المستويات خصوصا منها الاقتصادية والاجتماعية والانتقال الديمقراطي بصفة عامة. كما أكد رئيس المجلس على حرص تونس الشديد بأن تكون هذه الزيارة مرحلة جديدة في العلاقات التونسية الفرنسية من أجل مزيد التعاون المثمر، وأن تكون أيضا عنصر دعم للتنمية ومقاومة الإرهاب وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي ، في إطار سعي بلدان البحر الأبيض المتوسط إلى تعميم السلم والرفاهة المشتركة.
استقرار تونس من أجل المنطقة
بالرغم من وضع الناصر لموضوع الجلسة في إطاره من خلال البحث عن مزيد التعاون مع فرنسا في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تشهدها تونس، إلا أنه أكد أيضا على أن تونس تعول على نفسها وعلى ذاتها من خلال تفعيل طاقات العمل والمضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، والحرص على التوازن بين الجهات فئات المجتمع وفتح آفاق للشباب بهدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي وسدّ الأبواب أمام التطرّف مما سيساهم في بسط الاستقرار في المنطقة بأكملها. وأضاف الناصر في الجزء الأخير من كلمته، أن نجاح تونس يشكل عاملا ايجابيا في توفير السلم صلب المحيط الإقليمي ومقاومة الإرهاب العابر للقارات والهجرة غير الشرعية المتعددة المصادر، وكذلك الجريمة المنظمة باعتبارها تحديات تخص كل شعوب المنطقة، مما يتطلب مجهودا جماعيا خصوصا بين تونس وأصدقائها الفرنسيين والأوروبيين من خلال الترفيع في نسق وحجم الاستثمار وتكثيف تحويل ديون تونس إلى استثمارات ومزيد التشجيع على السياحة الفرنسية والأوروبية نحو تونس، وكل المبادرات التي من شأنها أن تفتح آفاقا جديدة للشباب كإجراءات تسهيل تنقل الشباب إلى فرنسا في إطار برامج تكوينية وتشغيلية مدروسة مبرمجة حسب قوانين البلدان المضيفة.
ثلاثة محاور كبرى
خطاب الناصر الذي انحصر أساسا في المسائل الاقتصادية والاجتماعية، حتّم على امانويل ماكرون إطالة خطابه لقرابة الساعة أمام نواب الشعب وسط حضور إعلامي تونسي وفرنسي كبير. خطاب تميز بالعفوية والمباشرة والدقة، وهو ما جعل نواب الشعب من مختلف الكتل البرلمانية يصفقون له في أكثر من مناسبة. فقد قسم ماكرون خطابه إلى ثلاثة محاور أساسية كبرى، أوّلها التطرق إلى المراحل التاريخية للبلاد التونسية وهو بروتوكول متعارف عليه. لكن الأهم من ذلك الجزء الثاني من الخطاب الذي حمل تشخيصا مجردا للعلاقات بين البلدين ونوايا فرنسا في مساعدة تونس ليعلن على إثرها جملة من الإجراءات، أما الجزء الأخير فقد تطرق فيه إلى بعض القضايا المطروحة على الساحة العالمية.
دعم تونس في كافة المجالات
وانطلق الرئيس الفرنسي في تثمين العلاقة بين البلدين التي اعتبرها متواصلة نتيجة العوامل التاريخية والمصالح المشتركة التي تفرض على الاثنين تقاسم المسؤوليات والطموحات، وهو ما يجعل فرنسا تدافع عن تونس وتدعمها في هياكل الاتحاد الأوروبي من اجل توفير الحلول والوسائل وتعزيز النمو الاقتصادي في ظل الصعوبات التي تعيشها تونس في ظل الظروف الاقليمية والعالمية. وفي هذا الإطار، عدد ماكرون أهم انجازات تونس ما بعد الثورة، مثمنا في ذلك اتجاه تونس إلى تحقيق المساواة بين المرأة والرجل خصوصا على مستوى الإرث، بعدما تمكنت من تحقيق الحريات الفردية والحقوق بصفة عامة، مؤكدا أن تونس تمكنت أيضا من أن تثبت للعالم على عكس ما يشاع بأن الإسلام لا يندمج مع الديمقراطية وان الفصل بين الأمرين مستحيل، مما جعلها مثالا يحتذى بها.
كما طالب الرئيس الفرنسي بضرورة تحويل الربيع إلى ربيع اقتصادي وسياسي، مجددا دعمه إجراء الانتخابات البلدية في تونس والعمل على مكافحة الفساد وتبسيط الإجراءات الحكومية والاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما سيشجع فرنسا على بذل قصارى جهدها لدعم ومساعدة تونس. كما أوضح وجود معركة أساسية بين الأمن والاستقرار باعتبار أن تونس وفرنسا تعيشان تقريبا نفس التحديات الإرهابية، وهو يستوجب ضرورة التشارك من أجل مكافحته وتحسين تبادل المعلومات. التعاون الأمني لا يقتصر على تونس فقط، بل يشمل الجهود الفرنسية في بسط الأمن في ليبيا والمغرب العربي عموما والشرق الأوسط أيضا حسب ما بينته ماكرون.
الإعلان عن جملة من القرارات
مساعدة فرنسا لتونس ستكون تقريبا على جميع المستويات وستشمل كافة القطاعات، حيث تحدث الرئيس الفرنسي عن الشراكات التعليمية والاقتصادية والثقافية ، والعمل على تسهيل التأشيرات للتنقل بالنسبة للشباب، معتبرا أن فرنسا ستساند تونس في كافة المستويات من خلال تعهدات مالية واستثمارات في علاقة بالديون، وبرنامج مستعجل في التنمية. وفي هذا الإطار، أعلن ماكرون مضاعفة الاستثمارات الفرنسية في تونس في غضون الخمس سنوات المقبلة ، تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتونس. كما أعلن الرئيس الفرنسي عن تقديم دعم لتونس بقيمة 1.2 مليار أورو إلى غاية 2020. وفسّر هذا التعاون بوضع خطة طارئة لمساعدة الشباب التونسي على انجاز مشاريعهم بقيمة 50 مليون اورو مؤكدا في الوقت نفسه على وقوف فرنسا مع تونس في ملف التبادل الحر.
حول القضية الفلسطينية
وفي الجزء الأخير، تحدث الرئيس الفرنسي عن دور فرنسا في العلاقات الخارجية خصوصا حول القضية الفلسطينية، حيث قال أن فرنسا تعمل على ان إيجاد مخرج للنزاع الفرنسي الاسرائيلي، معتبرا أن الحل لا يكون الا من خلال الاعتراف بالدولتين وتكون القدس عاصمة للدولتين كما تطرق في ذلك إلى سوريا والانقسامات الكبرى الحاصلة في العالم الاسلامي.