تبين أن مشروع المجلة يجب ملاءمته مع مشروع القانون الأساسي المتعلق بالميزانية الذي ينظم كافة تفاصيل الميزانيات، خصوصا في ما يتعلق بميزانيات الجماعات المحلية، وهو ما قد يستوجب عقد جلسة ثنائية بين لجنتي المالية وتنظيم الإدارة.
تواصل لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح سلسلة استماعها إلى منظمات المجتمع المدني بخصوص مشروع مجلة الجماعات المحلية، حيث تم الاستماع إلى كل من الجمعية التونسية للمختصين في المحاسبة والجمعية التونسية للمراقبين العموميين ومنظمة الحركة الجمعياتية ومرصد شاهد والمركز التونسي المتوسطي. جمعيات المجتمع المدني قدمت مقترحاتها كل حسب اختصاص مجالها، بهدف تطوير مشروع المجلة، الذي بدا في ارتباط واضح بمشروع قانون ثان موجود لدى لجنة المالية والتخطيط والتنمية والمتمثل في مشروع القانون الأساسي المتعلق بالميزانية.
حول الميزانية والتصرف فيها
واعتبر ممثلو الجمعية التونسية للمختصين في المحاسبة وجود العديد من الفصول التي وصفوها بـ«الخطيرة»، باعتبارها تؤدي إلى سهولة حل المجالس المنتخبة. كما بينوا أنه يجب ضم كل النصوص القانونية المتعلقة بالجماعات المحلية، إلى جانب ضرورة توضيح دور أمين المال الجهوي الذي يتدخل في إعداد الميزانية وله الحق في الاعتراض على مشروع الميزانية، وهو ما يعتبر مخالفا للدستور لأن المراقبة هي برقابة قبلية بالأساس. كما اعتبروا أنه يجب أن تكون فرضية حل المجلس استثنائية خاصة، باعتبار أن القانون الانتخابي جعل من تركيبة المجالس المنتخبة خاضعة إلى التمثيل النسبي، وهو ما سيساهم في وجود تجاذبات سياسية قد تعطل مسار المصادقة على الميزانية وهذا ما لا يتلاءم مع الأجل الذي تم وضعه صلب الفصل المذكور.
ممثلو الجمعية التونسية واصلوا انتقاداتهم لمضمون مشروع القانون في ما يتعلق بالفصول المندرجة ضمن الميزانيات وكيفية مراقبتها والتصرف فيها، حيث بينوا أنه لا وجود لأي تنصيص على مجلة الجباية المحلية خاصة وأن الدستور نص على الضرائب والأداءات. كما شددوا على ضرورة إعداد الميزانية بناء على التصرف حسب الأهداف تماشيا مع التوجه العام الذي يقوم عليه المشروع الجديد للقانون الأساسي للميزانية موضوع النظر في لجنة المالية والتخطيط والتنمية. هذا وتجدر الإشارة إلى أن الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية لها واجب مسك المحاسبة تطابقا مع مبادئ الشفافية والشرعية والنجاعة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نظام المحاسبة الحالي غير مجد ويجب تطبيق المحاسبة ذات القيد المزدوج، حيث يجب أن يكون المحاسبون العموميون قادرين على مسك المحاسبة ويجب تدعيم دورهم.
تبعية للسلطة التنفيذية
من جهة أخرى، ركزت منظمة الحركة الجمعياتية تدخلاتها على الديمقراطية التشاركية وخاصة في الفصل 28 من مشروع المجلة، مؤكدين في ذلك على خطورة الصيغة الحالية للفصل وتنافيه مع مبدأ التدبير الحر. وفي هذا الإطار، تم اقتراح أن تعد الجماعات المحلية بالشراكة مع مركز التكوين ودعم اللامركزية دليلا يضبط المنهجية التشاركية، بالإضافة إلى تمكين المواطن والمجتمع المدني من اللجوء إلى القضاء الإداري إذا تم الإخلال بمبادئ وآليات الديمقراطية التشاركية. في حين اقتصرت انتقادات الجمعية التونسية للمراقبين العموميين على بعض الأمور الشكلية والجوهرية، معتبرين أنه في باب الأحكام التمهيدية تم دمج جزء يسير من فصول مجلة الجباية المحلية، بالرغم من وجود فصول مشتتة مع الأوامر الترتيبية.
هذا وقد اعتبرت الجمعية أن هناك عدة أوجه للتبعية إلى السلطة التنفيذية خاصة في تعدد الأوامر الحكومية وهو ما قد يطرح إشكالا دستوريا، إلى جانب وجود مصطلحات ضبابية ومتداخلة فيما بينها كالتدقيق والرقابة والمحاسبة إلى جانب استعمال مصطلحي «غرفة» و»هيئة» فيما يتعلق بمحكمة المحاسبات. كما بينوا أن المجلة نصت على إحداث الهيئة العليا للمالية المحلية بهدف التنصيص على امتيازات ومنح خاصة، في حين أن هناك العديد من الهياكل داخل الوزارة التي تتولى نفس هذه المهام مثل وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي. هذا ويجب العمل على تحديد المعايير التي ستستند اليها المجالس المحلية فيما يتعلق بضبط المعاليم، على غرار وجود مجموعة من الفصول موزعة على مختلف الأبواب التي تترك مجالا للتأويل فيما يتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة خاصة وأنه ليس هناك أي إلزام بنشر المعلومات.
اختصاصات وصلاحيات الوالي
واستمعت اللجنة كذلك إلى مرصد شاهد الذي تطرق بالأساس إلى اختصاصات وصلاحيات الوالي، معتبرا أنها غير واضحة رغم تحسن مشروع المجلة بين نسخته الأولى والنسخة المعروضة على المجلس. كما طالب المرصد بضرورة تطوير صلاحيات الجماعات المحلية والرقابة عليها، توضيح الملك المحلي، حيث يجب أن تكون الصلاحيات من خلال تمكين المحكمة الإدارية من الحق الكامل في فض تنازع الاختصاصات وتجنب تشتت الهياكل. كما أوصى المرصد بضرورة حصر فض تنازع الاختصاص في مجال القضاء الإداري، ثم العمل على التنصيص على إمكانية الالتجاء إلى القضاء الاستعجالي لإيقاف رئيس البلدية أو الجهة أو الإقليم عوضا عن قرار من وزير الشؤون المحلية.
ملاءمة المجلة مع مشروع الميزانية
من جهة أخرى، استمعت لجنة المالية والتخطيط والتنمية إلى منظمة «بوصلة» في إطار مناقشتها لمشروع قانون الميزانية، حيث طالبت المنظمة بضرورة منح الاستقلالية المالية للهيئات الدستورية الخمس المذكورة في الدستور وهي كل من هيئة الانتخابات وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهيئة التنمية المستدامة وهيئة الإعلام السمعي والبصري وهيئة حقوق الإنسان، خصوصا وأن عديد مشاريع القوانين المتعلقة بهذه الهيئات يتم مناقشتها حاليا بمجلس النواب. كما بين ممثلو المنظمة أن الاستقلالية المالية للهيئات ستضمن التوازن بين السلط وحسن التصرف والاستجابة للسياسات العامة.
مشروع القانون الأساسي للميزانية يبدو أنه في ارتباط عضوي مع مشروع مجلة الجماعات المحلية، الأمر الذي جعل منظمة «بوصلة» تطالب بضرورة ملاءمة القوانين في ما بينهما في ما يتعلق باللامركزية، مع التنصيص في القانون الأساسي للميزانية على الشفافية والاستقلالية لضمان مشاركة المواطن ومساءلة آخذي القرار.
لجنة تنظيم الإدارة تواصل جلسات استماعها على امتداد الأسبوع في جلسات ليلية من أجل استكمال الاستماع إلى أصناف المجتمع المدني قبل عيد الفطر المبارك، على أن يتم الانطلاق في مناقشة فصول مشروع المجلة مباشرة عقب انتهاء هذه الجلسات.