جاء إعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد نهاية الأسبوع الفارط بإجراء تحوير وزاري مفاجئا لمجلس نواب الشعب، هذا التحوير والذي شمل ثلاثة أعضاء من الحكومة وهم كل من أحمد عظوم وزيرا للشؤون الدينية، لتعويض المنصب الشاغر منذ إقالة الوزير السابق عبد الجليل سالم في نوفمبر 2016، وخليل الغرياني وزيرا للوظيفة العمومية والحوكمة خلفا لعبيد البريكي الذي تمت إقالته وعبد اللطيف حمام كاتب دولة للتجارة. هذا التحوير تعددت القراءات بخصوصه بين ناقد ومثمن خصوصا حول طريقة إجرائه وكيفية الإعلان عنه، لتكون الجلسة العامة الفضاء الوحيد لتوجيه كافة الأسئلة والاستفسارات من قبل النواب إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
رفض لطريقة التحوير
هذا التحوير لم يرق لعديد الكتل البرلمانية، باعتبار أن العديد من النواب اعتبروا أنه ليس من صلاحيات رئيس الحكومة إجراء تحويرات كالنائب عن حركة النهضة الحبيب خضر الذي بين أن من صلاحيات رئيس الحكومة إعفاء عضو بالحكومة أو تعيين مستشار، في حين أن مهامه تنحصر في عملية الاختيار ثم يقدمه لمجلس نواب الشعب كمرشح لنيل الثقة، وإن نالها فحينها يتولى رئيس الجمهورية تسميته وتلقي يمينه.هذا الموقف والذي يتجلى من خلال الفصل 144 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الذي ينص «يوزع على أعضاء المجلس قبل افتتاح الجلسة المتعلقة بالتصويت على منح الثقة لعضو من الحكومة ملف يتضمن بيانا مختصرا حول سبب التحوير و تعريفا موجزا بعضو الحكومة المقترح. يتم التصويت على الثقة بتصويت منفرد لكل عضو و في المهمة المسندة له ويشترط لنيل ثقة المجلس الحصول على موافقة الأغلبية المطلقة من الأعضاء».
هذا الإجراء والذي اعتمد سابقا في التحوير الذي أجراه رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد خلال جلسة عامة منعقدة يوم 11 جانفي 2016، حين أجرى الصيد 13 تحويرا.، وقد تعرض حينها إلى نفس الانتقادات حين أوضحت التدخلات في الجلسة العامة أن الصيد لم يحترم مقتضيات الفصل 92 من الدستور بعرض التحوير على مجلس الوزراء قبل الإعلان عنه. لكن هذه المرة يبدو أن الشاهد أمام مهمة صعبة بين تقديم أسباب إجراء هذا التحوير وبين تجنب اتهامه بممارسته غير الأخلاقية على المستوى السياسي أي دون استشارة شركائه في الحكم، باعتبار أن أسئلة النواب ستكون ناقدة لطريقة التحوير.
إجراءات منح الثقة
الإجراءات البرلمانية بخصوص منح الثقة للوزراء الجدد منظمة في النظام الداخلي في الفصل 142، حيث يدعو رئيس المجلس مكتب المجلس للاجتماع في غضون يومين من تلقيه الملف المتضمن لطلب عقد جلسة للتصويت على منح الثقة للحكومة أو لعضو من الحكومة. ويتولى المكتب في اجتماعه ذاك تحديد موعد الجلسة العامة في أجل أسبوع من اجتماع المكتب. وفي الجلسة العامة وحسب الفصل 143 فإن رئيس المجلس يتولى التقديم الموجز لموضوع الجلسة، ثم تحال الكلمة لرئيس الحكومة المكلف الذي يتولى تقديم عرض موجز لبرنامج عمل حكومته ولأعضاء حكومته المقترحة، على أن تحال الكلمة بعد ذلك لأعضاء المجلس في حدود الوقت المخصص للنقاش العام في تلك الجلسة. وتحال الكلمة لرئيس الحكومة المكلف مجددا للتفاعل مع تدخلات أعضاء المجلس، ترفع الجلسة ثم تستأنف في نفس اليوم للتصويت على الثقة. وحسب الفصل 144 يتم التصويت على الثقة بتصويت منفرد لكل عضو وفي المهمة المسندة له. ويشترط لنيل ثقة المجلس الحصول على موافقة الأغلبية المطلقة من الأعضاء.
التصويت محسوم..
عملية التصويت على الوزراء وإن كانت ستكون بالنسبة لكل وزير على حدة، ولكن حسب التوجهات فإن الأغلبية ستكون مضمونة بعد تأكيدات نواب حركتي نداء تونس (66نائبا) والنهضة (69نائبا) وآفاق تونس (10 نواب) وإن لم يقدموا موقفهم الرسمي، بالتصويت لتضمن بذلك 145 صوتا، بغض النظر عن بقية الأصوات 72 صوتا لبقية الكتل التي يبدو أنها ستصوت ضد أو مع ونعني بذلك الكتل المعلنة لعدم مساندتها للحكومة وهي حركة مشروع تونس(21 نائبا)، الاتحاد الوطني الحر (11 نائبا)، الكتلة الديمقراطية (12 نائبا) كتلة الجبهة الشعبية (15نائبا)، غير المنتمين (12نائبا).
المواقف الأولية بدت محسومة في انتظار اجتماع مختلف الكتل بهياكلها الحزبية من أجل إصدار المواقف الرسمية، قبل تحديد موعد الجلسة العامة من قبل مكتب المجلس الذي قد ينعقد يوم الخميس المقبل. لكن في المقابل، هناك فرضية أخرى، وهي التصويت بالإجماع على وزير الشؤون الدينية أو في الأغلب تتغير نتائج التصويت مقارنة بالعضوين الآخرين باعتبار أن هذا المنصب كان شاغرا وترأسه وزير العدل غازي الجريبي بالنيابة.
تعدد الأزمات بين المجلس والحكومة
حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد كانت من أكثر الحكومات التي واجهت صعوبات مع مجلس نواب الشعب، حيث تعددت جلسات توجيه الأسئلة الشفاهية لأعضاء الحكومة، فلا تخلو جلسة عامة دون توجيه أسئلة شفاهية، إلى جانب جلسات الاستماع صلب اللجان القارة والخاصة لطرح أهم القضايا في المستوى الاجتماعي والاقتصادي. هذا كله دون الحديث عن الأزمات المتكررة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بداية من عدم تسريع المصادقة على مشروع قانون الطوارئ الاقتصادية، ثم الأمر الحكومي المتعلق بالسكن الأول، بالاضافة إلى تأجيل الجلسة العامة المتعلقة بالمصادقة على مشروع قانون حماية المبلغين عن الفساد ونية الحكومة آنذاك في سحبه. وفي هذا الإطار، ستستغل الكتل المعارضة حججها لتثبيت المواقف السابقة حول مستقبل هذه الحكومة حين تم التصويت لفائدتها أنها فاقدة لأية سند سياسي أو حزبي أو حتى داخل البرلمان.