خرجت في عديد المناسبات عن السياق. الجلسة العامة عرفت نقدا لاذعا في شخص بن سدرين من قبل نواب الشعب باستثناء حركة النهضة والبعض من الكتلة الديمقراطية، خصوصا بعد مداخلتها التي بدت «مستفزة» لهم، ورغم ماساد الجلسة من توتر فقد صادق النواب على ميزانية مشروع الهيئة بـ 121 نعم و21 احتفاظ مع رفض 28 .
بعد تأجيلها يوم الاثنين الفارط نتيجة غياب رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين، عقد مجلس نواب الشعب جلسة عامة من أجل النظر في آخر باب من أبواب ميزانية الدولة لسنة 2017 والمتعلق بميزانية هيئة الحقيقة والكرامة. ومثلما كان متوقعا فقد عرفت الجلسة العامة تجاذبات سياسية بين مختلف الكتل البرلمانية، خصوصا من قبل كتلتي حركة النهضة والديمقراطية من جهة، وبين كتل حركة نداء تونس ومشروع تونس والجبهة الشعبية من جهة أخرى. لكن ما يطرح التساؤلات وما أثار استغراب عديد النواب الانزلاق من انتقاد أعمال الهيئة ورئيستها إلى انتقاد مسار العدالة الانتقالية وهو ما استغلته حركة النهضة من اجل الظهور وكأنها مسؤولة عن هذا المسار، وذلك من خلال الاستماتة في الدفاع عن الهيئة. الجدل انطلق مع بداية الجلسة خصوصا بعد تدخل النائب عن حركة النهضة حسين الجزيري الذي قدم مداخلة تدعو الجميع إلى الوحدة والالتفاف حول مسار العدالة الانتقالية، حيث أكد ان الأموال المرصودة لميزانية الهيئة لا تساوي لحظة واحدة من الظلم، مطالبا بضرورة الابتعاد عن الخصومات، باعتبار أنه من غير المعقول التخاصم من اجل إنصاف الشهداء.
انتقادات متبادلة
تدخل الجزيري، قابله مباشرة رد من قبل رئيس كتلة حركة نداء تونس سفيان طوبال الذي طالب بنقطة نظام ليرد على الجزيري بأن كتلته لا تقبل الدروس من أحد، مشيرا إلى أنه في إطار مناقشة ميزانية الهيئة فإن الجميع له حرية محاسبة أعمال الهيئة. نواب الشعب اعتبروا أن رئيسة الهيئة ترى نفسها فوق المراقبة البرلمانية وفوق القوانين، حتى أن البعض منهم أطلق جملة من العبارات الجارحة في شخصها على مسمع من الجميع، المعارضون لبن سدرين اعتبروا أنها ساهمت في تقسيم الطبقة السياسية ومجلس النواب بين مساند ورافض للعدالة الانتقالية. وقال النائب حسن العماري أن هناك العديد من الاحترازات ابتداء من تركيبة الهيئة والإخلالات المتكررة وصولا الى الاستقالات المتتالية، مشيرا إلى أنّ الهيئة تنفق أموالا طائلة إنها تطلب أكثر ممّا تستحقّ حيث بات من الجليّ أن الهيئة تؤثّر على المالية العمومية. وفي هذا الإطار، تساءل العماري عن التقارير الرقابية للهيئة في ظل النقص الفادح في التقرير الحالي، فنواب الشعب من حقهم محاسبة الهيئة.
أغلب نواب الشعب أجمعوا على حق المجلس في محاسبة الهيئة عن تصرفها في المال العام باعتبار أن هذا الأمر يكرّس العدالة الانتقالية ويدعمها. هذا الإصرار جاء على خلفية رفض بن سدرين الحضور أمام لجنة سد الشغور حسب تدخل النائبة هاجر بالشيخ أحمد التي أكدت أن بن سدرين أكدت في مراسلة سابقة أنه ليس من حق المجلس مساءلتها وأنها تسبّب في تعطيل رزنامة العمل النيابي بعدم الحضور يوم الاثنين الفارط ، مطالبة في ذلك بضرورة إحالة ملف الهيئة على أنظار دائرة المحاسبات.
حجج قانونية ولكن...
في المقابل، حاول الشق المقابل تفنيد كل هذه التفاصيل من خلال التأكيد على أن العدالة الانتقالية لا يمكن حصرها في شخص، إلى جانب الاعتماد على النصوص القانونية، كالنائب غازي الشواشي الذي بين انه لا يمكن تحويل الجلسة إلى جلسة محاسبة لرئيسة الهيئة، مشيرا إلى انه لا يمكن للمجلس محاسبتها لأنها هيئة مستقلة تتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية، ولا يحق كذلك لأي كان التدخل في أعمالها حسب القانون المحدث للهيئة. وأضاف الشواشي انه ليس هناك أي فصل يفرض الرقابة لأي جهة كانت، حيث تقتصر علاقتها بالمجلس على إحالة الميزانية من اجل المصادقة ، أو في حالة وجود شغور سد الشغور، أو لها الحق في طلب التمديد في مدتها من 4 سنوات إلى سنة إضافية.
لكن هذه الحجج، لم تمنع نواب الشعب من مواصلة انتقاداتهم للهيئة ورئيستها، حيث قالت النائبة هدى تقية أن الهيئة باتت اليوم تخدم مصالح أشخاص معينين بالإضافة إلى تبذير المال العام، حيث ظهر بالكاشف التوظيف السياسي للهيئة في التعويض للضحايا وطمس الحقائق، مطالبة في ذلك بقية النواب بعدم المصادقة على الهيئة حتى تلتزم باحترام مؤسسات الدولة. كما تطرق بقية النقاش إلى مجريات جلسات الاستماع لضحايا الاستبداد حيث اعتبرها البعض كالنائب مصطفى بن أحمد أنّ بمثابة العمل المسرحي وهو قد يضيع فرصة إرساء العدالة الانتقالية، إلى جانب المطالبة بضرورة سد الفراغ على المستوى القانوني في كيفية تحديد ميزانيات الهيئات المستقلة.
بن سدرين: «الهيئة ليست ملكي»
وبعد نقاش عام مطول على امتداد اليوم، صعدت رئيس الهيئة سهام بن سدرين لإلقاء كلمتها والرد على تساؤلات النواب، حيث أكدت أنّ الهيئة ليست ملكها، وإنما هي هيئة الدولة التونسية. وأضافت أنه ليس هناك مؤسسات ديمقراطية دون رقابة وما تقدّم به النواب اليوم يندرج في خانة الرقابة المسلطة على الهيئة. وعللت غيابها نتيجة عدم إعلامها إلا بصفة متأخرة، مشيرة إلى أن الهيئة قدمت تقريرها الأدبي والمالي منذ شهر ماي إلى رئيس المجلس محمد الناصر، مطالبة في ذلك بضرورة احترام استقلالية المؤسسات. وواصلت بن سدرين خطابها بتأكيدها أن نجاح مسار العدالة الانتقالية لا يرتبط بهيئة الحقيقة والكرامة فحسب إنما بتظافر الجهود بين جميع مؤسسات الدولة، مشيرة إلى أن أغلب تساؤلات النواب تمت الإجابة عنها في تقرير لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية التي ناقشت ميزانية الهيئة.
كما اعتبرت أن جلسات الاستماع مهمة جدا، مطالبة النواب بسحب كلمة «مسرحية» و«مهزلة» خلال توصيفهم لهذه الجلسات، مشيرة إلى أن الهيئة سجلت 65 ألف ملف عند غلق باب قبول الملفات وقامت بـ15 ألف جلسة استماع سرّية، حيث تم عرض 9 حالات فقط من أصل 65 ألف ولا يمكن عرض 65 ألف حالة في يومين. وعبرت أن مسألة الشغور من صلاحيات مجلس نواب الشعب، وليس من مسؤوليات الهيئة بل يجب مواصلة العمل مهما كان الأمر، مشيرة إلى أن المحكمة الإدارية لم تصدر حكما واحدا باتّا في الأصل وإنما كلها إيقاف تنفيذ في إشارة لقضايا الأعضاء المعفيين.
كتلة نداء تونس تنسحب من الجلسة العامة
خطاب بن سدرين لم يرق للنواب، حيث قررت كتلة حركة نداء تونس الانسحاب من الجلسة العامة لما اعتبرته اتهمت للنواب بالكذب والافتراء، وطالب رئيسها سفيان طوبال عدم المصادقة على هيئة ليس فيها النصاب القانوني، بالإضافة إلى مطالبته بمهلة قبل المصادقة على الميزانية. ومباشرة دخلت الجلسة العامة في حالة من الفوضى خصوصا من قبل نواب الجبهة الشعبية وآفاق تونس وغير المنتمين الذي اعتبروا أن بن سدرين لم تجب على تساؤلات النواب، وأنها استخفت بالمجلس مرة أخرى. المهلة تحولت إلى فرصة من أجل الإقرار بالتصويت ضد أو مع الميزانية لكن في الأخير تم التصويت لفائدة ميزانية الهيئة بعد الاتفاق على تكوين لجنة تحقيق في شبهات فساد صلب هيئة الحقيقة والكرامة