بشتى الطرق بأهمية محاربة التهرب الضريبي، من خلال الإصلاحات التي تم إقرارها في قانون المالية.
مشروع قانون المالية لسنة 2017 سيكون الخطوة الأولى لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس، وعودة نسق الاستثمار، هكذا انطلق رئيس الحكومة يوسف الشاهد في خطابه على مسامع نواب الشعب في جلسة عامة بمجلس نواب الشعب يوم أمس من أجل تقديم بيانه بخصوص مشروع قانون ميزانية الدولة لسنة 2017. قانون المالية والذي أثار جدلا لأول مرة منذ الثورة، إلا أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد اعتبره أمرا طبيعيا ومريحا، باعتبار أن الحوار في أهم القضايا التي تهم مصير ومستقبل البلاد ستكون له انعكاسات ايجابية. هذا الحوار طرح أسئلة حقيقية صلب مشروع قانون المالية في ما يخص الوضع الاقتصادي والتوازنات الاقتصادية الكبرى وكذلك حول العدالة الجبائية.
تبرير إجراءات الميزانية..
رئيس الحكومة يوسف الشاهد تدرج في خطابه بين تبرير الإجراءات التي تم اتخاذها صلب مشروع القانون، بين انعكاساتها الايجابية على أرض الواقع. حيث قال أن ميزانية سنة 2017 تأتي في ظرف اقتصادي صعب، إلا أنها تترجم خيارات حكومة الوحدة الوطنية، حيث تم إعدادها انطلاقا من تشخيص شامل مع كافة السياسيين والأحزاب والنواب والمنظمات والرأي العام. وقد كشف هذا التشخيص أن العجز وصل إلى وضعية خطيرة، في ظل ارتفاع نسبة التداين التي وصلت إلى أرقام قياسية، وهو ما يستوجب وجود قانون مالية شجاع يقدم حلولا عاجلة من خلال تقاسم الأعباء والتضحيات. وأكد الشاهد في خطابه أن قانون المالية سيساهم في تعافي المالية العمومية الذي سيساهم في جلب الاستثمارات بعد النجاح في تحقيق التوازنات المالية.
ثلاثة محاور رئيسية
مشروع القانون يحمل ثلاثة محاور رئيسية يتمثل الأول في تعافي المالية العمومية، ثم ثانيا تأجيل الزيادة في الأجور، وثالثا إرساء عدالة جبائية. ومن أجل تحقيق الأهداف المنشودة التي ذكرها الشاهد، فإن هناك عديد التضحيات أهمها تأجيل الزيادة في الأجور بالنسبة للسنة القادمة، وإرساء ضريبة على المؤسسات ورأس المال لأنه لا يمكن الترفيع في الأجور إلا في حالة تحسن نسبة النمو. وبين رئيس الحكومة أن المهن الحرة يجب أن تقوم بواجبها الضريبي مثل الجميع دون استثناء، مشيرا إلى أن الخلل الجبائي متواجد في تونس منذ عشرات السنين حيث لا يمكن إصلاحه بقانون سنة وحيدة.
ويأتي التوجه الجديد لإرساء العدالة الجبائية في قانون المالية 2017، من خلال إقرار إجراءات لتحسين قيام المهن الحرة بالواجب الضريبي. لكن وأمام الرفض والانتقادات من قبل المحامين والأطباء خصوصا، حاول الشاهد إقناع الجميع بأن هذا الإجراء لا ضرر منه، بل على العكس فإنه ليس هناك زيادة في الضرائب على المهن الحرة. وقال الشاهد أنه من غير المعقول مطالبة الأجراء بتحمل العبء وقبول تأجيل الزيادات في الأجور في نفس الوقت، دون أي إجراء لبقية المهن.
الإصلاح الجبائي ومقاومة التهرب
من جهة أخرى، تطرق يوسف الشاهد إلى تفاصيل المحاور الثلاثة من أجل إقناع نواب الشعب بهذه الإجراءات في ظل الانتقادات من هذا الجانب وذلك. وبخصوص الإصلاح الجبائي، فقد بيّن الشاهد أن قانون المالية فيه مراجعة لسلم الضريبة على الدخل، بما يساهم في تخفيف العبء الجبائي على الطبقات الضعيفة، والترفيع في الدخل الصــــــافي لـ 90 % من الأجراء، في القطاعين العام والخاص. لكن هذه الإجراءات وحدها لا تكفي حيث، يجب كذلك العمل على تحسين آليات مقاومة التهرب الضريبي، وذلك من خلال إحداث الشرطة الجبائية وإعطاء صلاحيات أوسع لإدارة الجباية، بالإضافة إلى رفع السر البنكي دون إذن قضائي وهو أمر معمول به في كافة الدول من أجل الاطلاع على المعطيات البنكية على أن يقتصر هذا الإجراء بالنسبة للأشخاص المنضويين تحت المراقبة الجبائية الأولية.
عدم الزيادة في الأسعار الأولية
خطاب يوسف الشاهد في مجلس نواب الشعب، ارتكز بالأساس على الحجج والإقناع خصوصا في ما يتعلق بالضرائب، الذي كان المحور الرئيسي لخطاب الشاهد، حيث تطرق إلى هذا الموضوع في كل جزء من أجزاء خطابه. ولم يترك الشاهد مجالا إلا واستشهد به. لكن الواضح أن تحسين الوضع الاقتصادي والتنمية لن ينجح إلا من خلال الضرائب التي سيتم تخصيصها للجهات والخدمات. وأمام هذه الإكراهات، تعهّد رئيس الحكومة بعدم الزيادة في الأسعار الأولية خلال هذه السنة.
الجزء الثاني من خطاب رئيس الحكومة يوسف الشاهد تميز بتعديد مناقب حكومة الوحدة الوطنية خلال 84 يوما من عملها،. وقال الشاهد في هذا الإطار، أن الحكومة تمكنت من معالجة عديد القضايا الطارئة كحادثة خمودة وفرنانة على سبيل المثال، وإيجاد الحلول العاجلة لمعضلة «بتروفاك» وإنتاج الغاز في قرقنة، إضافة الى الفسفاط والذي تطور إنتاجه ليكون في تماس تقريبا مع نسب سنة 2010. وأضاف أن الحكومة تمكنت كذلك من استرجاع 8000 هكتار من أراضي الدولة التي تم الاستيلاء عليها منذ سنة 2011، مقارنا في ذلك بالخمس السنوات الأخيرة أين تم استرجاع حينها سوى 2000 هكتار. كما تمكنت الدولة من مكافحة التهريب من خلال الحملات التي أنتجت مصادرة سلع قيمتها حوالي 120 مليار.
مكافحة الفساد والتشغيل من الأولويات القادمة
كما خصص رئيس الحكومة يوسف الشاهد الجزء الأخير من خطابه، من أجل تقديم وعوده للفترة القادمة من خلال خلق مواطن الشغل والتشجيع على المبادرة الخاصة، فور عودة النمو الذي سيساهم في جلب الاستثمارات، حيث تمكنت الحكومة من إصدار الأوامر التطبيقية لمجلة الاستثمار، وتقديم قانون دفع الاستثمار يهدف الى تخفيف التعقيدات الإدارية. وقال الشاهد أن المناخ الملائم للأعمال لا يتمثل في قانون فقط بل من خلال الاستقرار السياسي والأمني إلى جانب محاربة الفساد، وهو ما جعل الحكومة تحيل عديد الملفات إلى النيابة العمومية بالتنسيق مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مقابل طلب استعجال النظر في مشروع قانون القطب القضائي والمالي، ومن المنتظر تقديم مشروع قانون يتعلق بشفافية الحياة العامة ومكافحة الإثراء غير المشروع قبل موفى شهر نوفمبر الحالي.
خطاب الشاهد وإن أعجب البعض لما اعتبروه من جرأة في الخطاب، إلا أن العديد من النواب اعتبره خطابا فارغ المضمون، خصوصا وأن الخطاب ارتكز في مجمله على الضرائب والإصلاح الجبائي فقط، حيث باتت الضرائب هي الملاذ الوحيد من أجل تعبئة ميزانية الدولة.