تعدّ "الأخطر" من حيث المحاكمات والتتبعات القضائية في حق الصحفيين، على معنى مراسيم وقوانين وصفتها ب "الجائرة والزجرية المعادية لحرية الصحافة والإعلام".
ولاحظت نقابة الصحفيين، في الجزء المتعلّق بالإحصائيات العامة حول الاعتداءات على الصحفيين، ضمن تقريرها السنوي الذي نشرته اليوم الجمعة، بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحريّة الصحافة، أن التعامل مع حرية الصحافة والتعبير شهد خلال هذه الفترة "انحرافات عميقة"، خاصة في علاقة بحماية الحقوق والحريات، أبرزها تواتر إثارة الدعاوى في حق الصحفيين من قبل النيابة العمومية أو مسؤولي الدولة، خارج إطار قانون عملهم (في اشارة الى المرسوم 115)، وذلك في 39 مناسبة.
وأوردت في تقريرها، أن نسق الإعتداءات على الصحفيين والمصورين، قد حافظ على ارتفاعه خلال السنوات الخمس الأخيرة، بتسجيل 211 إعتداء سنة 2024 و257 سنة 2023 و 214 سنة 2022 و 200 سنة 2021 و193 سنة 2020، مشيرة الى أنّ تراجع نسق الاعتداءات المرتبطة بحرية العمل الصحفي والحق في الحصول على المعلومات، خلال الفترة التي يشملها التقرير مقارنة بالسنة المنقضية، "مرتبط بارتفاع نسق الملاحقات القضائية وليس بانفتاح السلطة السياسية التي تواصل نفس الممارسات"، وفق تقديرها.
وأكدت أنه "لا يمكن قراءة هذه الأرقام بمعزل عن تأثيرات حالة العطالة التي تشهدها الهياكل التعديلية"، كالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، التي ساهم تغيّبها في تضاعف عدد الملاحقات القضائية و"استفراد" هيئة الانتخابات، وفق توصيفها،بتنظيم التناول الإعلامي لانتخابات أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم في دوريها في شهري ديسمبر 2023 وفيفري 2024، والذين سجلا "أعلى نسب اعتداءات"، حسب ما ورد في تقريها .
وأضافت أن هذه الأرقام، مرتبطة كذلك "بنزعة السلطة التنفيذية نحو الانغلاق"، وسنّها مناشير ومذكرات داخلية "وضعت عوائق غير مشروعة أمام الصحفيين في الحصول على المعلومات"، مما عمّق أزمة حجب المعلومات وضرب جوهر الحق الدستوري في الحصول عليها.
كما لاحظت أنه نتيجة الازمات العميقة التي يعيشها قطاع الصحافة اليوم، فلقد تعطّل الأداء المهني للصحفيين بشكل كبير بما حرم المواطنين من إعلام مستقل ومهني في خدمتهم، مؤكدة حاجة القطاع إلى "مقاربة إصلاحية عاجلة وشاملة وتشاركية ومنفتحة على كل الفاعلين" تتحمّل الدولة مسؤولية عدم إطلاقها وتأخيرها وما سيترتب عن ذلك من "نتائج وخيمة"، حسب تأكيدها.
وأكدت النقابة في تقريرها، أنّ "الممارسات التضييقية" ضد الصحفيات والصحفيين، سواء عبر التهديد أو المنع من العمل أو الاعتداءات والملاحقات القضائية، يعتبر "مؤشرا سلبيا" على تراجع منسوب الحريات الصحفية يضاف إلى ذلك قلة وعي الفاعلين السياسيين بطبيعة عمل الصحفيين.
وسجلت في هذا الجانب وفق تقريرها، 137 اعتداء مرتبطا بالحق في الحصول على المعلومة ونشرها وتداولها، تتوزّع بين 56 حالة منع من العمل و23 حجب معلومات و40 مضايقة و3 احتجازات تعسّفية و5 حظر الكتروني و6 رقابة مسبقة و4 حالات صنصرة.
وأوصت النقابة، في ختام تقريرها رئاسة الجمهورية بالسهر على تعزيز حماية حرية التعبير والصحافة، عبر مبادرات تشريعية تراعي التزامات تونس بحماية الصحفيين، وتضمن مكتسبات الحرية التي كرسها الدستور التونسي، والقطع مع الممارسات التمييزية وتغييب وسائل الإعلام خلال التظاهرات الوطنية والدولية التي نظمتها رئاسة الجمهورية، وفتح الباب أمام التعدد والتنوع في التغطية الإعلامية.
كما دعت البرلمان الى الحفاظ على المكتسبات السابقة للتغطية الإعلامية داخل مجلس نواب الشعب، وإعادة عمل المركز الإعلامي، وايلاء القوانين المنظمة لحرية التعبير والصحافة والطباعة والنشر أولوية النظر بداية الفترة البرلمانية القادمة، إضافة إلى التسريع بالنظر في المبادرة التشريعية المتعلّقة بتعديل المرسوم عدد 54 الخاص بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال.
وطالبت النقابة رئاسة الحكومة، بتركيز '"آلية وطنية دائمة ومستقلة" لرصد الاعتداءات المسلطة على حريّة الصحافة وحريّة التعبير، وتقديم مبادرات تشريعية لتنظيم حرية التعبير وحرية الصحافة ، وإيقاف العمل بكل المناشير والمذكرات الداخلية التي تضع عوائق غير المشروعة أمام التداول الحر للمعلومات.
ودعت وزارة الداخلية أيضا، إلى دعم جهود "خلية الأزمة" داخلها، ووضع خطة عمل واضحة للشراكة تتضمن لقاءات دورية للتقييم والتطوير. وطالبت الجهات القضائية بإيقاف إحالة الصحفيين والعاملين في وسائل الاعلام على معنى المرسوم 54 ، لا سيما منه الفصل 24 ، إضافة إلى إيقاف إحالة الصحفيين بتهم أمن الدولة والتهم الإرهابية وغيرها من التهم الواردة خارج إطار القانون المنظم لحرية التعبير والصحافة والنشر (المرسوم 115).