مشروع تونس «معركة كسر العظام»، معركة من أدواتها تلك الخاصة بلعبتي الشطرنج و«البوكر»، تفكير في النقلات القادمة ووضع أفخاخ قاتلة مع إيهام الخصم والتلاعب به. تلاعب ونقلات كانت آخر فصولهما الأسبوع الراهن، عملية الدمج بين نداء تونس والوطني الحر، وما لحقها من أحداث انعكست على الكتل البرلمانية.
لو نظرنا لوقائع الصراع الدائر بين قصر قرطاج والقصبة، على انها مباراة مزجت بين لعبتين الشطرنج والبوكر- اخذا بعين الاعتبار ان الفاعل السياسي يستعير منها أدوات عديدة وإن لم يدرك ذلك- ستكون الصورة اقرب الى تجسم «افخاخ» عبر التضحية بقطع لعب هامة، مع الاستعانة بأساليب التلاعب التي في لعبة البوكر، خاصة وان كان اللاعبان لا يحتكمان على اوراق لعب قوية تضمن الفوز.
هذه الصورة تتجزأ لتكشف ان الصراع بين نداء تونس/الوطني الحر، وهما واجهة لقصر قرطاج، والطرف الاخر الذي اتسع ليضم الشاهد ومن يحيطون به مع احزاب اخرى. ركز في مرحلته الاولى على البرلمان، بهدف الفوز بصفة الكتلة الثانية من حيث الحجم.
هدف يمكن اعتباره في الشطرنج عملية نشر قطع للسيطرة على منتصف الرقعة، وهنا القطع هي الكتلة واعضاؤها ومنتصف الرقعة هو البرلمان الذي يراد من خلاله اعادة تشكيل التوازنات واحتلال مواقع تسمح بتهديد الملك، الذي يقابله هنا حكومة الشاهد التي يراد رحيلها.
لكن ليس هذا كل المشهد، فاللاعبون هنا لجؤوا الى «التلاعب» كما في البوكر، بإيهام الخصوم ان بيده أوراقا قوية، وهذا يتجسد في التصريحات التي اطلقها اولا رئيس كتلة نداء تونس سفيان طوبال الذي اكد ان كتلة الائتلاف الوطني ستشهد استقالات جديدة، وان المستقيلين منها سيلتحقون بكتلة النداء.
هذا اعتمد على ان حجم كتلة النداء ارتفع، وهذا سيغري بعض النواب بالالتحاق بها لتحسين مواقعهم باعتبار ان الرهان الأساسي هو الفوز في انتخابات 2019 والعودة للبرلمان لدورة نيابية أخرى، في محاولة للتلاعب بالآخرين وإضعافهم.
هذا المزج بين اساليب لعب الشطرنج والبوكر، لا يقتصر فقط على نداء تونس بل يقابله سلوك مشابه من قبل الطرف الاخر، الشاهد ومن يسانده، فهؤلاء، ربما بمحض صدفة، نجحوا في التضحية «بقطعة» هامة لكنها مسمومة لصالح غريمهم، والقطعة المضحى بها وإن دون وعي وقصد هي الاتحاد الوطني الحر، الذي بانصهاره في نداء تونس وسحب نوابه من كتلة الائتلاف الوطني ونقلهم للنداء، بات يمثل ثقلا على النداء عوضا عن حل.
ثقل من الداخل والخارج، فالصفقة وتفاصيلها حالت وان دون قصد ومخطط التوسعة الذي طمح له مهندس الانصهار، فبالتحاق الرياحي وتقلده لمنصب الامين العام ورئيس الهيئة السياسية، بات في نداء تونس «فزاعتان» ترهبان كل من يريد الاقتراب منه.
اضافة الى هذا عملية اقتسام المواقع قطعت بشكل كلي مع إمكانية التحاق أحزاب أخرى او شخصيات هامة بمسار النداء، وهذا يتركهم أمام خيارين، لعب دور المشاهد مع ما ينجر عن هذا من تداعيات او الالتحاق بالمشروع الجديد، وهنا يتضح أن عملية الانصهار لم تكن في صالح النداء بقدر ما كانت في صالح غريمه.
غريم يتجزأ ليضم لفيفا من المكونات، منها الكتلة الجديدة، التي اعلن رئيسها مصطفى بن أحمد بدوره عن ان نوابا من نداء تونس سيستقيلون من كتلتهم ويلتحقون بهم، تصريح يصنف بدوره كتلاعب، فبن احمد واستنادا لحالة التململ والقلق في صفوف بعض نواب النداء، عمد الى ابراز فكرة الاستقالة التي تختمر في الكواليس. حركة تشبه عملية call في لعبة البوكر وهي القيام بوضع رهان في قيمة الرهان السابق او مضاعفته، فبن احمد هنا يرد على زميله رئيس كتلة نداء تونس.
هذه الصورة، وان كانت اختزالية، فهي تشبه الواقع الحالي للصراع بين الطرفين، لا تكتمل دون بقية الاجزاء، وهي هنا جل الفاعلين الاساسيين في الصراع، وان بشكل غير مباشر، حركة النهضة، مشروع تونس، كتلة الولاء للوطن، احزاب وسطية من خارج المجلس.
كل هذه الاجزاء تتفاعل مع مجريات اللعبة، فالنهضة ظلت على موقعها، وحركة مشروع تونس وغيرها من الكتل والاحزاب حافظت على موقفها، فهم ينظرون للاندماج على انه نقلة لا تهديد منها لتغير من انتشارها او تضحي “بالشاهد” لتجنب موت ملكها، بل تعتبر ان العملية الاخيرة كشفت “ملك” النداء وجعلته معرضا لتهديدات مباشرة مع كل نقلة.