لاحتواء أزمة مهاجرين دول إفريقيا جنوب الصحراء كافية ؟
أزمة أثارها بيان رئاسة الجمهورية في 21 من فيفري الفارط حينما تم التطرق الى ملف المهاجرين غير النظامين من دول إفريقيا جنوب الصحراء وربط بينهم وبين مخطط لتغير التركيبة الديموغرافية لتونس ضمن مخطط إجرامي يستهدف البلاد. بيان سعت السلطات خلال الساعات والأيام اللاحقة لصدوره إلى احتواء تداعياته السلبية ولكن بخطوات وخطاب محتشم اقتصر على القول بان بيان الرئاسة اخرج من سياقه وان المراد منه إعلان السلطة التنفيذية عن تطبيقها للقانون في ملف الأجانب المقيمين بالبلاد لا غير. ذات الحجة تتمسك بها السلطات التونسية وقد ضمنتها في البيان الذي نشرته رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الخارجية يوم الأحد الفارط، وفيه تم الإعلان عن جملة من الإجراءات لفائدة الأجانب المقيمين بتونس بهدف حمايتهم وتوفير ظروف إقامة طيبة للنظاميين منهم وتيسير المغادرة الطوعية لغيرهم . إضافة إلى تعزيز الإحاطة وتكثيف المساعدات الاجتماعية والصحية والنفسية اللّازمة لكافّة المهاجرين واللّاجئين من الدول الإفريقية.
بيان أعلن فيه عن تيسير تسليم بطاقات إقامة لمدة سنة لفائدة الطلبة من البلدان الإفريقية وتسهيل فترة إقامتهم بالتراب التونسي بتمكينهم من التجديد الدوري لوثائقهم، وكذلك التمديد في وصل الإقامة من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر إضافة إلى تسهيل عمليات المغادرة الطّوعية لمن يرغب في ذلك في إطار منظّم مع التأكيد على إعفاء المغادرين من دفع خطايا التأخير.
هذه الإجراءات سيكون لها تأثير مباشر على حياة المئات من المهاجرين من الافارقة في تونس الذين سيستنفدون منها خاصة المتعلقة بالدعم والمرافقة والإحاطة النفسية والاجتماعية للمهاجرين، ولكنها قد لا تكون كافية ان لم تصطحبها خطوات جدية لاحتواء الأزمة التي ستظل تلاحق البلاد لفترة من الزمن وتعزلها عن محيطها الافريقي.
ورغم أهمية الإجراءات التي اتخذتها السلطة التونسية يظل اثرها محدودا نتيجة الخطاب المتنصل من الأزمة والذي أحالها إلى "أطراف مجهولة ومعلومة" قادت حملة تتهم فيها السلطة بتبني خطاب عنصري، ولسان حالها يقول أنها ابعد ما يكون عن ذلك فهي من مؤسسي الاتحاد الإفريقي وهي من الداعمين لدوله ولتحرر شعوبه.
خطوات قطعتها السلطات جمعت فيها بين الإقرار الضمني بالأزمة باتخاذ إجراءات دعم ومرافقة للمهاجرين النظامين أو غير النظامين، مع التنصل من المسؤولية السياسية للازمة التي تجاوزت أثارها حدود البلاد وانعكست في ردود فعل الشارع والمؤسسات السياسية والسيادية لمجموعة من الدول الإفريقية التي نظمت رحلات إجلاء لرعاياها من تونس، كما انطلقت حملات مقاطعة للمنتجات التونسية في عدد من الدول. التداعيات السلبية لم يكن مصدرها الخطاب الرسمي في فيفري بل انحراف جزء من الشارع التونسي وتبنيه لمقولات عنصرية غذت أعمال عنف كان المهاجرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء ضحاياها، مما سوق لصورة سلبية عن تونس واعتبارها بلدا غير آمن للمهاجرين من دول إفريقيا. وهذه الصورة هي التي رسخت للأسف خلال الأسبوعين الفارطين.
صورة يبدو أن السلطة التونسية أدركت فظاعتها وتأثيرها السلبي على مختلف الأصعدة الدبلوماسية والاقتصادية وعلى سلامة التونسيين أنفسهم، وبحثت عن كسرها بخطاب يرفض الإقرار بالخطأ والاعتذار عنه بشكل صريح ومباشر. مقابل البحث عن كبش فداء يتحمل مسؤولية الأزمة.
وهذا ما قد ينعكس سلبا على جهود احتوائها. لاحتواء هذه الأزمة وموجة العنف ضد المهاجرين من دول افريقيا جنوب الصحراء على السلطات الرسمية اليوم ان تتصدى بالقانون للخطاب العنصري وان تكون جدية في ذلك لوضع حد للاعتداءات، وعليها ان تطلق حملات توعية ضد العنصرية وان تهيئ مناخا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا مستقرا وامنا للمهاجرين من الدول الإفريقية يمكنهم من تسوية وضعيتهم القانونية او المغادرة وأي كان الخيار فان الدولة التونسية مطالبة بان تحفظ كرامة المهاجرين وحرمتهم الجسدية، لا فقط من انحراف الشارع بل من انحراف بعض من أجهزتها.
كل هذه الخطوات ستظل منقوصة ولا يمكنها كسر الصورة- التي تشكلت بعد بيان الرئاسة والخطابات المبررة - ما لم تكن مصحوبة بخطوات شجاعة كالاعتذار الرسمي باسم الدولة التونسية لكل ضحايا أعمال العنف والممارسات العنصرية التي اتاها جزء من التونسيين ومحاسبتهم عن الانتهاكات التي مارسوها. وهذا اضعف الايمان
حسان