لا شك أن رئيس الجمهورية في نص مبادرته قد وضع الخطوط العريضة لتوجهات الحكومة القادمة... ولكن الخلاف في تونس هو حول السياسات الملموسة لا الشعارات العامة..
ودون توضيح كل هذه المسائل لا ينبغي توقع تقدم ملموس في هذه المشاورات الموسعة التي تقوم بها رئاسة الجمهورية...
ينبغي على النخب السياسية - بالمعنى الواسع للكلمة – أن تتحلى بقدر هام من الصراحة والشجاعة وأن تتجنب الشعارات الفضفاضة لتدخل في تفصيل السياسات الملموسة..
ما هو تصورنا لحل معضلة الصناديق الاجتماعية؟ وكيف نصلح المنظومة الإدارية؟ وما هي أفضل معادلة لعدد الموظفين وكتلة الأجور وفاعلية التدخل العمومي؟! كيف سندفع بالاستثمار الخاص والأجنبي؟ وما هي المشاريع ذات الأولوية للسنوات القليلة القادمة؟.. كيف سنعالج معضلة البطالة على المدى القصير بداية والمتوسط بعد ذلك؟
ما هي حوكمة المديونية التي ينبغي علينا توخيها؟. كيف سنحد من التهريب وبأي إجراءات وما هي عناصر الإصلاح الجبائي للسنوات القادمة وكيف نحارب الفساد وبأي إمكانيات؟
كل هذه الأسئلة، وغيرها أيضا، تتطلب إجابات واضحة ودقيقة... وليس مطلوبا أن يتوافق الجميع حولها فذلك محال.. ولكن المطلوب هو الوضوح والتناسق بين كل الإجراءات والعزم بعد ذلك على التنفيذ... خلاف مؤسس على الوضوح أفضل من توافق مغشوش.
هنالك أساسيات وطنية التوافق حولها ضروري ولكن التوفيق بين رؤى متناقضة ومصالح متضاربة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي لا يؤدي إلا إلى الشلل والجمود ودون أن يرضى أي طرف على هذا التوافق المغشوش..
بلادنا مكبّلة على كل المستويات وهذه أحد الأسباب الهامة التي تعيق الانطلاق الفعلي للنمو ولخلق الثروة..
الحكومة القادمة تحتاج إلى وفاق أدنى ولا شك ولكنها تحتاج إلى شجاعة قصوى حتى تصلح الإدارة دون تراخ وتحارب التهريب ولوبيات الفساد دون هوادة ولا كلل.. وتفرض سلطة القانون دون خجل.. وتحرر إرادة الفاعلين الاقتصاديين، كل الفاعلين الاقتصاديين بداية من البائع المتجول وصولا إلى أكبر مستثمر، دون خوف من لوبيات الجمود والشيء ....