سوف تبقى بن قردان ذكرى لأول، وربما لآخر كذلك، مواجهة حربية بين المجموعات الإرهابية وقواتنا الأمنية والعسكرية.. ورغم نية المباغتة والغدر والهجوم المتزامن على ثلاثة مواقع أمنية وعسكرية إلا أن الحصيلة كانت دحر الهجوم الإرهابي وقتل 37 من العناصر الإرهابية في أثقل حصيلة لمسلحي الخراب والإرهاب...
لا شك أننا نحتاج لبعض الوقت حتى يثمر التحقيق الأمني بداية لإعطائنا صورة متكاملة عن مراحل التخطيط لهذه العملية غير المسبوقة وعن نواياها المعلنة والخفية.. فنحن لا نعلم إلى حدّ اليوم العدد الإجمالي للإرهابيين (هل هم في حدود المائة أم أقل أم أكثر من ذلك) ولا كذلك عدد عناصر الاستخبار والإسناد من داخل المدينة ولا عن طريقة التخطيط والتنفيذ..
فكل هذه المعلومات ستكون مهمة بل وحاسمة في حربنا ضد تنظيم داعش الإرهابي...ولكن رغم كل هذه المعلومات الهامة والتي تعوزنا اليوم يمكن أن نقول بأن التخطيط لعملية بهذا الحجم قد تطلب أسابيع عديدة.. والسؤال الذي يتبادر لكل ذهن هو كيف أمكن تجميع هذه الترسانة من الأسلحة وهذا العدد الكبير من الإرهابيين في نفس المكان دون أن ينتبه إليهم أحد؟
لا شك لدينا بأن التقييم الداخلي الذي ستقدم عليه القوات الأمنية والعسكرية منفصلة أم مجتمعة سيكشف كل الهنات وسيسمح بإحكام منظومة الاستخبارات التونسية والتي لا ينبغي لنا أن نستهين بها اليوم.. فدون إفشاء أسرار لا نملكها يمكن أن نقول بأنه أصبحت لدينا اليوم منظومة استخباراتية أمنية وعسكرية تسمح لنا بأن تكون لنا لوحة قيادة واضحة عما يعتمل داخل وخارج حدودنا ولكن لا بد لهذه المنظومة من مزيد إحكام اختراق الجماعات الإرهابية لأننا بذلك فقط نتمكن من استباق كل مخططاتها وعملياتها الإجرامية..
قلنا بأن هذه العملية قد تكون الأخيرة من نوعها وأن الدواعش قد لا يقدمون على نظير لها نظرا للهزيمة النكراء التي تكبدوها في بن قردان بفضل يقظة وبسالة وبطولة قواتنا الأمنية والعسكرية..
ماذا يعني هذا؟ يعني أن المجموعات الإرهابية قد تلجأ، مرة أخرى، إلى عملياتها «الكلاسيكية» والتي أضرّت أيّما إضرار بتونس سنة 2015 (باردو وسوسة ومحمد الخامس) وهذا الصنف من ردّة الفعل يستوجب منا يقظة قصوى لأن الدواعش قد يختارون ضرب أهداف غير محصّنة بالدرجة الكافية وينبغي أن نتوقع منهم ردّة فعل انتقامية على الهزيمة النكراء التي منوا بها في بن قردان...
ولكن كل هذا يبقى مرتهنا بوضع الدواعش بالشقيقة ليبيا.. فالواضح أنهم أصبحوا اليوم هم الطرف الأضعف وأنهم أضحوا هدفا لكل الأطراف الليبية والدولية وهذا يعني أن دواعش تونس سيفقدون بسرعة الملاذ الآمن الذي كانوا يجدونه بليبيا وأن ضربهم واستهدافهم بالجارة الشرقية سوف يضعفهم كثيرا في ليبيا وفي تونس كذلك.. وأن هذه المجموعات تحتاج لوقت حتى تعيد ترتيب أوراقها..
وعلينا نحن أن نحسن استغلال هذا الظرف حتى نعيق إلى الأقصى إعادة الانتشار هذه.. كل هذا ونحن نقرّ بصعوبة تفكيك الخلايا الخطرة لأنها ستسعى كلّها إلى التخفّي ما أمكن لها ذلك..
ملاحظة أخيرة لا بد من سوقها هنا وهي أنه لم يعد بإمكاننا أن نتحدث عن حاضنة شعبية للإرهاب.. ولكن هذا لا يعني أنه ليس هنالك متعاطفون مع الجماعات التكفيرية فما شاهدناه في بن قردان يؤكد هاتين الحقيقتين في نفس الوقت: رفض شعبي إجماعي للإرهاب لكن كذلك وجود بعض العشرات من شباب المدينة قد ساهموا أو ساندوا هذا الهجوم الإرهابي..
والسؤال كيف ستتصرف القوات الأمنية في سعيها المشروع للقبض على كل أفراد الخلايا النائمة هذه؟ وهنا لا بد من توخي أقصى درجات ضبط النفس حتى لا يتحوّل البحث عن هذه العناصر الإجرامية إلى مداهمات عنيفة وغير مدروسة.. نريد التنويه لهذه الجزئية لأن لها دورا هاما للغاية في محاربتنا للإرهاب حتى لا نخدش هذا الانتصار الباهر بتصرفات قد تحد من جدواه على مستوى بعض الأسر التونسية...
الواضح على كل حال أن انتصارنا في بن قردان وبهذه الطريقة سوف ييسر، إلى حدّ ما، أعمال قواتنا الأمنية والعسكرية.. ولكن لا يجب أن نغترّ أو أن نتراخى.. لقد كسبنا معركة هامة ولكننا لم نربح بعد الحرب...