التي تواجه الصحفيين والمخاطر المرتبطة بعملهم القائم بالأساس على توفير المعطيات والمعلومات الضرورية للمتلقي والتي تمكنه من ان يرى الصورة العامة بوضوح.
صعوبة هذا الخيار جزء منه يتأتى من ان بنود العقد بين الصحافة وجمهورها الذي يريد منها وينتظر ان تدافع عن مصالحه و تراقب أي انحراف يصدر عن شخصيات او مؤسسات متنفذة وقوية سواء أكانت سلطة سياسية او مالية او دينية او جهات اجتماعية وان يعلمه بهذا الانحراف وان يسائل مرتكبيه دون إقحامه في معارك الصحفيين اليومية لتأدية مهمتهم او اغراقا له بتفاصيل قد لا تكون من اولوياته.
احيانا يصبح هذا الخيار هو جوهر العمل الصحفي، اذ في مثل هذه المحطات التي تواجهها الصحافة التونسية يصبح التوجه الى الجمهور وإعلامه بحجم الخطر والمضايقات التي تمارسها السلطة على الصحافة كشفا لانحراف هذه السلطة ونزوعا منها الى الاستبداد بضرب حق التونسيين في الحصول على معلومات ومعطيات تتعلق بإدارة وبحوكمة ملفات تمس معاشهم اليومي بشكل مباشر.
نزوع يهدف الى ان يقع اخضاع الصحافة وتطويعها لتكون في خدمة من لديهم السلطة والذين يتخندقون في مراكز النفوذ، وذلك باستخدام الملاحقات القضائية والمساءلة القانونية لصحفيين نشروا اعملا ومقالات تضمنت معطيات ومعلومات وأرقاما او قراءة لسلوك وسياسات السلطة التنفيذية وانتقادها.
سلطة تواجه نقد الصحفيين باللجوء الى المرسوم الرئاسي عدد54 الصادر في سبتمبر الفارط وتوظفه للتضييق عليهم. واخر محاولاتهم كانت يوم امس بتوجيه دعوة للصحفي نزار بهلول مدير تحرير موقع «بزنس نيوز» للمثول امام التحقيق بتهم استمدت من المرسوم المذكور اعلاه، وذلك هو ردّ الحكومة عن مقال نشره الموقع في نسخته الفرنسية يوم الخميس الفارط وانتقد رئيسة الحكومة نجلاء بودن
«Najla Bouden, la gentille woman»….
حكومة انتفضت رئيستها ووزيرة العدل فيها ولجأتا الى المرسوم السيئ لملاحقة صحفي بخصوص مضمون مقاله الذي لم يرق لهما، وهذا بعد ان سبق لرئيسة الحكومة نفسها ان بررت صمتها ورفضها لتقديم أي تصريحات صحفية بان ذلك سيكون مقترنا بتحقيق شرطها الاساسي وهو ان يكف الاعلام عن نقدها.
رفض النقد ورفض تقديم المعطيات يكشف عن تصور السلطة التنفيذية بشقيها الحكومي والرئاسي لدور الصحافة ولمهامها ، اذ وفق منظور السلطة وجب على الصحافة ان تكون لسان حالها وأداتها الدعائية بسبب اعتقادها بان الصحافة في خدمة الحاكم وصاحب السلطة الذي يحتكر تمثيل الشعب وليس الجمهور بتنوع مشاربه وانتماءاته.
بالوصول الى هنا تصبح الارقام والمؤشرات التي كشفها التقرير السنوي لوحدة الرصد بمركز السلامة المهنية التابع لنقابة الصحفيين بداية الشهر الجاري ذات دلالة هامة تسقط مقولات السلطة في علاقة باحترامها لحرية التعبير والاعلام، فما كشفه التقرير هو ان الجهات الرسمية كانت مسؤولة بشكل مباشر عن 151 اعتداء طال الصحفيين والصحفيات اثناء القيام بعملهم بل سجل توجها رسميا من قبل هذه السلطات الى ان تقاضي الصحفيين على خلفية عملهم الصحفي خارج الاطار القانوني والتشريعي المنظم للمهنة وهو المرسوم 115 اذ سجلت 14 احالة و تتبع عدلي خارج إطار المرسوم 115 وأحيل صحفيون على القضاء العسكري وحكم عليهم بالسجن لأراء او معطيات كشف عنها،كما تم احتجاز 8 صحفيات وصحفيين بشكل تعسفي وحكم على ثلاثة اخرين بالسجن.
كل هذا يبين الخطر الفعلي الذي تواجهه الصحافة في تونس اليوم. اذ هي تواجه ارادة سياسية لتطويعها وتوظيفها لنشر سردية السلطة ودعايتها. والخروج عن هذه الارادة يواجه بالملاحقة القضائية والسجن في مناسبات عدة بهدف الترهيب والإخضاع بعد تقيم محدودية سياسات التضييق والمنع من الحصول على المعطيات المتعلقة بإدارة ملفات تهم الصالح العام.
لذلك فان التوجه اليوم الى الجمهور بات ضرورة ملحة لإشعاره بحقيقة الخطر الذي يتهدد حقه في ان توفر له المعطيات والمعلومات المتعلقة بإدارة الشأن العام ورسم السياسيات العمومية والخيارات الكبرى للبلاد، وإخباره بان هذا الحق تريد السلطة ان تخضعه لتقديرها السياسي وان تقرر ما ينشر وما يجب ان يحجب بما يخدم مصالحها لا الصالح العام.
وما يحول اليوم بين ان يكون الجمهور اسيرا لسردية واحدة ولخطاب اعلامي وسياسي واحد يحتكر الحقيقة والمعرفة كما كان عليه الامر قبل 2011 هو جدار الصد الاخير المتمثل في الصحافة والإعلام، والدفاع عن هذا الجدار الاخير لم يعد مهمة الصحفيين وحدهم.
لهذا نتجه الى الجمهور لنعلمه بحقيقة المخاطر.
الحكومة تلجأ إلى المرسوم 54 ضد وسائل الإعلام: الصحافة التونسية في خطر
- بقلم حسان العيادي
- 10:19 15/11/2022
- 1283 عدد المشاهدات
من اصعب الخيارات التي يتخذها العاملون في قطاع الصحافة والإعلام هو مصارحة الجمهور بحجم المخاطر التي تهدّد حرية التعبير والإعلام والمضايقات