اذ تطرق كل منهما حسب اختصاصه الى موضوع الساعة وهو الانتخابات التشريعية المنتظرة ولكنها صدفة كشفت عن خيط رفيع يربط بين الحدثين هو الاستنتاج السياسي الذي انتهت اليه السلطة والقائم على أن مسارها الانتخابي هش ومتعثر ومتناقض مع مقولاتها السياسية.
استنتاج كشفه لقاء الرئيس مع وزير الداخلية اذ شدد فيه على ضرورة وضع حدا لجريمة بعينها وهي ما قال بلاغ الرئاسة انها «برزت مؤخرا ومتعلقة بجمع التزكيات لانتخابات 17 ديسمبر المقبل» وهنا حدد الجريمة في دفع الرشاوى اضافة الى جريمة اخرى وهي استغلال البعض لمواقعهم بهدف ضرب المسار الانتخابي.
بلاغ حمل مضمونا مفاده ملاحقة جريمة يفترض انها انتخابية من مشمولات هيئة الانتخابات لكن الرئيس اختار ان يتحدث بشانها مع وزير الداخلية لسبب يبدو انه سياسي بامتياز وينحصر في ابلاغ رسائل مفادها ان مسار الانتخابات يتعرض الى محاولات متعددة لضربه.
هذه هي الخلاصة التي اريد لها ان تحفظ في الاذهان لتشرح لاحقا ما ستقدمه هيئة الانتخابات في ندوتها المتعلقة بمسار الانتخابات التشريعية والترشحات إليها التي ستكون عناوين الاخبار الرئيسية وذلك منذ يوم الخميس الفارط، قبل ان تصبح مادة بيد خصوم الرئيس لمحاججته على تعثر مساره.
مسار بلغ اليوم محطة الانتخابات التشريعية التي ستشهد تنافس 1058 مترشحا للفوز بـ154 مقعدا من اصل 161 والفرق مرده ان 7 دوائر انتخابية لم يترشح لخوض الانتخابات فيها أي احد. فيما سجلت عشر دوائر وجود مرشح وحيد سيصعدا آليا الى البرلمان القادم.
لم تكن هذه فقط العثرات التي وقع فيها المسار بل ضعف نسبة المترشحات التي بالكاد تصل الى 12 ٪ بواقع 122 مترشحة منهن 9 نساء فقط ترشحن عن كل الدوائر الانتخابية لأربع ولايات هي تطاوين وقبلي ومدنين وقابس وتوزر. مما يرسخ الصورة الذهنية عن ان قانون المسار السياسي والانتخابي معادي للنساء ويقصهن من المشهد السياسي بأشكال عدة ففي البرلمان القادم قد نجد امرأة وحيدة صعدت اليا لأنها كانت المترشحة الوحيدة عن دائرة سكرة 2 .
هذه النقطة كانت جلية منذ بداية المسار الانتخابي الذي وان نص على التناصف في التزكيات فانه لم يوفر اية اليات تدفع بمشاركة اوسع للتونسيات في الانتخابات التي يهيمن عليها اليوم «الرجال» بشكل كلي في اكثر من 80 دائرة انتخابية في داخل التراب التونسي.
ليس هذا فقط ما كشفته ندوة الهيئة المستقلة للانتخابات فقد كشفت عن فراغ قانوني لم يقع التفطن اليه من قبل من وضع القانون الانتخابي ويبدو ان معالجة هذا الفراغ والقصور ستمس من مبدا اساسي وهو «المساواة بين المواطنين»، فتعديل القانون الانتخابي لسد الشغور في الدوائر الانتخابية التي لم يترشح عنها احد سيطال بالأساس شرط التزكيات سواء بالالغاء او التخفيض وهنا سيختل مبدأ المساواة وينهار كليا سواء ان تعلق بالمساواة بين المترشحين او بين المواطنين.
نقص يضاف الى غيره من مكامن القصور التي لا تقف فقط عند الجانب القانوني في المسار الانتخابي بل تشمله لتعم كل شيء تقريبا لتمنح التونسيين مشهدا مجزءا مبتورا سيتفاقم صداه مع الحملة الانتخابية التي ستعيد اذكاء نعرات جهوية وعشائرية وتدفع الى الغرق في المحلي الضيق عوضا عن فتح نقاشات تتعلق بخيارات وطنية جامعة.
تعثر يبدو ان السلطة التي تقود المسار السياسي تدركه جيدا لذلك بحثت عن مبررات له تتمثل في ان البعض يستهدف المسار سواء بالفساد عبر شراء التزكيات او منعها لتبين ان اسباب التعثر لا تتعلق بالمسار وما فقده منذ البداية بل بالمتآمر الذي تراهن على انه قد يعفيها من الاقرار بأنها اساءت التقدير في مختلف المستويات ان تعلق الامر بمسار الانتخابات. سواء كان بتعلق بالمناخ العام في البلاد او بالمناخ السياسي او بالنص القانوني كلها معا تقاطعت لتنتج مشهدا انتخابيا حصيلته النهائية جلية منذ الآن. وهي مجلس نواب ذكوري بامتياز غارق في الشأن المحلي ومجزأ غير قادر على ان يشكل قطبا سياسيا في البلاد.