(حوالي 6.3 مليار دينار) على أربع سنوات تلتزم فيها الحكومة التونسية بحزمة من الإصلاحات قصد استعادة المالية العمومية لتوازناتها الرئيسية .
وتقول السلطة التونسية أنها قدمت برنامجا «تشاركيا» شارك فيه أكثر من 400 إطار سام، أي أن السلطة تحاور نفسها فقط، فهي لم تعرض البتة برنامجها على عموم التونسيين ولم تر أنها ملزمة بالحدّ الأدنى من الحوار ومن التفاعل مع مختلف مكونات المجتمع .
ما تخفيه عنا الحكومة التونسية يكشفه صندوق النقد الدولي بكل شفافية فنحن نعرف اليوم أهم اتجاهات الخطة الحكومية والتي سينشرها صندوق النقد كاملة على موقعه الرسمي اثر التوقيع النهائي لهذا الاتفاق في ديسمبر القادم عندما ينعقد المجلس التنفيذي للصندوق .
يمكن أن نلخص هذه الاتجاهات العامة في ستة محاور أساسية :
1 - سياسة تقشفية تعتمد على تقليص كتلة الأجور والرفع التدريجي لدعم المحروقات والمواد الأساسية
2 - إصلاح جبائي واسع يهدف إلى توسعة قاعدة دافعي الضرائب بإقحام الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم وبعدالة المساهمة الجبائية
3 - إصلاح المؤسسات العمومية بتغيير حوكمتها وبسن قانون جديد منظم لها في الغرض
4 - دعم الفئات الهشة
5 - تنشيط الاقتصاد بكسر كل القيود التي تعيق حرية المبادرة
6 - تشديد السياسة النقدية لمقاومة التضخم أي مزيد الترفيع في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي
بغض النظر عن قدرة الحكومة الحالية أو غيرها على التطبيق الشامل والكلي لهذا البرنامج فإن «أيسر» ما فيه تلك الإجراءات التقشفية التي ستمس حتما من القدرة الشرائية لشرائح عدة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة وذلك على امتداد كامل فترة البرنامج أي من جانفي 2023 إلى ديسمبر 2026..تنضاف إلى ذلك إجراءات التعويض النسبي للعائلات المعوزة ومحدودة الدخل أما الجانب الأساسي من هذا البرنامج وهو دفع الاستثمار وتنشيط الاقتصاد والرفع الهام من مستوى مردوديته فلا نرى له الحد الأدنى فلا وجود لاستراتيجية وطنية ولا إجراءات عملية ولا قدرة على الانجاز لأنه يتطلب ما يسميه الاقتصاديون بصدمة استثمارية (un choc d’investissement) أي مضاعفة كل أصناف الاستثمار وخاصة الشراكة بين القطاعين العام والخاص ..
الخطر كل الخطر أن تسعى هذه الحكومة ودون أي تفويض شعبي الى تنفيذ برنامج تقشفي قد (ونشدد على قد) يعيد للمالية العمومية بعض توازناتها ولكن ذلك سيكون على حساب القدرة الشرائية لعموم المواطنين وان تظل آلتنا على حالها وأن يتواصل تخبط السياسة الاقتصادية بين إجراءات حكومية باهتة وحرص رئاسي -فقط- على خلق شبكة زبونية واسعة قوامها الشركات الأهلية وما قد يأتي به من أموال الصلح الجزائي..
ولا يكمن الإشكال - في الحقيقة - في «شروط» صندوق النقد أساسا، فبعضها ضروري وعقلاني ولكن في عجز السلطة السياسية على التوفيق بين تقشف مفيد في بعض نفقاتها وسياسة نشيطة وذات فاعلية في إنعاش الاقتصاد وخلق القيمة المضافة والانتقال إلى مستويات مرتفعة من النمو قادرة لوحدها على خلق المعادلة الإيجابية بين توازن المالية العمومية والارتقاء بالمقدرة الشرائية لعموم المواطنين .
ولكن هذه الهبة الجماعية الضرورية تحتاج إلى مشروع وطني جامع وهذا ما نحن بصدد الابتعاد عنه بكل سرعة .
بعد التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي: هل تكون أربع سنوات من التقشف ؟ !
- بقلم زياد كريشان
- 11:12 18/10/2022
- 1121 عدد المشاهدات
توصلت الحكومة التونسية يوم السبت الفارط مع خبراء صندوق النقد الدولي إلى اتفاق جديد في إطار «تسهيل الصندوق الممد» بقيمة 1.9 مليار دولار